الثقافة الاسلامیۀ
موقع إسلامي وثقافي الثقافة الاسلامية

الدفع بإيران نحو “القنبلة”.. لمصلحة من؟

0 338

محمد صالح صدقیان

 

 

من الصعب التصور أن الغرب يحاصر إيران حتی لا تذهب أموالها إلى حلفائها الإقليميين (“الأذرعة” وفق التوصيف الغربي) المتهمين بالعمل “علی تقويض الامن والاستقرار”. ومن الصعب التصور ثانياً أن حلفاء إيران سواء في لبنان؛ سوريا؛ العراق؛ فلسطين واليمن لطالما كانوا مقيدي الأيدي في إنتظار اتفاق نووي يُوفر لهم الاموال اللازمة لـ”مشاريع المقاومة والممانعة”. ومن الصعب التصور ثالثاً ان إيران تنتظر إعادتها إلى آلية التبادل المصرفي “سويفت” من أجل مد حلفائها بالمال عبر هذه المنصة المالية!

تعرف الدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة أن مثل هذه التصورات فيها من السذاجة ما فيها إلى حد إستحالة الركون إليها. من يعرف إيران جيداً يُدرك أنها لا تتعامل مع حلفائها لا بالاتفاق النووي ولا بغيره.. لا بـ”السويفت” ولا بـ”المشاريع”. هذه مشكلة العقل الغربي وبعض العربي في النظرة المسبقة إلى إيران وحلفائها. لقد تعاملت طهران مع حلفائها قبل الاتفاق النووي ومعه وبعده وكل هؤلاء لا يخافون لومة لائم؛ كما ان إيران قالتها بوضوح وبلسان المرشد الأعلی إن صداقة إيران مع حلفائها في المنطقة لا ترتبط بمفاوضاتها مع الدول الغربية شأنها شأن منظومتها الصاروخية والعديد من خياراتها.

جوهر النزاع الإيراني مع الدول الغربية وتحديداً مع الولايات المتحدة يتعلق بـ”أمن اسرائيل” والرئة الامريكية التي لا تريد أن تتنفس إلا من خلال “الهواء الاسرائيلي” في منطقة الشرق الاوسط، وهذه هي النقطة الجوهرية التي تفسر كيف ان المفاوضات التي دخلتها إيران في نيسان/ابريل 2021، بناء على رغبة أمريكية بالعودة إلى طاولة 5+1، لم تصل إلى أي نتيجة مرضية للطرفين حتى الآن.

وهنا يكمن السؤال؛ اذا كانت الحسابات الإيرانية لا تستند إلى مثل هذه التوجهات (الأوهام)، لماذا وقّعت طهران “خطة العمل الشاملة المشتركة”، أي “الاتفاق النووي” مع الدول الكبری قبل سبع سنوات؟ والسؤال الثاني المرتبط بالاول؛ هل ان إيران عام 2015 كانت موحدةً لحظة توقيع الإتفاق النووي مع الغرب أم أنها كانت منقسمة؟

حقيقة الأمر أن المشهد الإيراني لم يكن موحداً حيال المفاوضات مع الغرب وحيال ما تم التوصل إليه وقتذاك، وهذا الأمر يحيلك إلى المشهد الحالي وتحديدا إلى نمطين من “التفكير” في كيفية التعامل مع البرنامج النووي وأهدافه وآلية توظيفه بما يحقق المصالح الوطنية القومية الإيرانية أولاً وأخيراً.

وبعيداً عمّا تسمى بعض “المواقف الشاذة”؛ كانت المقاربات الإيرانية الجادة حيال الاتفاق النووي وبرنامج إيران النووي تستند إلى رؤيتين:

أولى؛ التزم بها الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني وقادها وزير الخارجية محمد جواد ظريف وانضم اليهما علي لاريجاني رئيس مجلس الشوری (البرلمان) وساعد في تنفيذها مدير هيئة الطاقة النووية الإيرانية علي اكبر صالحي بمباركة واضحة وداعمة من الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني. وهذه الرؤية كانت في صلب مسار أدی الی ولادة الاتفاق النووي عام 2015؛ واستندت إلى قاعدة ضرورة الحوار مع الدول الغربية علی اساس معادلة “رابح رابح”؛ والتعاون والتنسيق في ما يخص القضايا الاقليمية والدولية من اجل تثبيت المصالح الإيرانية، خصوصاً غداة رسالة الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما التي اعرب فيها للقيادة الإيرانية عن رغبة بلاده بفتح صفحة جديدة مع إيران.

أما الرؤية الثانية فقد قادها التيار المتشدد والتزم بها الرئيس السابق محمود احمدي نجاد وسعيد جليلي كبير المفاوضين آنذاك وعلی باقري كني كبير المفاوضين حالياً ومعهم عدد من الشخصيات الإيرانية المحافظة. هذه الرؤية كانت وما تزال تعتقد ان العلاقة مع الغرب يجب ان تستند إلی “مصادر القوة” وان اي تنازل سوف يعطي المبرر للدول الغربية من أجل إستمرار ضغطها على إيران في كافة المجالات لانها لا تريد اقل من تفكيك البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي خدمة لـ”الأمن الاسرائيلي”.. واذا ما اقتنع الغرب بإجازة مستوی معين من “الدورة الكاملة للتقنية النووية” فان ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع. لذا، كان أصحاب وجهة النظر نفسها مقتنعين ان توظيف البرنامج النووي يجب ان يكون بمثابة “قوة ردع” في مواجهة أي هجوم او اعتداء تفكر باللجوء إليه أي جهة خارجية معادية لإيران.. وهذه النقطة الاخيرة مدعاة للتأمل لأنها مهمة وحساسة وخطيرة جداً.

من المعروف أن الاتفاق النووي هو عبارة عن “خطة عمل مشتركة شاملة” بين إيران والدول الغربية وكان مطلوباً من إيران الالتزام بما شملته هذه الخطة التي تتعدی البرنامج النووي وضمن سقف زمني محدد. لكن عدم التزام الجانب الامريكي بروح هذه الخطة في جانبها الامني او الاقتصادي خلال المدة من يوليو/تموز 2015 تاريخ التوصل إليها وحتی تشرين الثاني/نوفمبر 2016 تاريخ الانتخابات الامريكية التي فاز فيها دونالد ترامب، جعل هذه الخطة تسلك مساراً مختلفاً وصولاً إلى انسحاب ترامب منها في العام 2018.

وتعتقد شريحة واسعة في جناح المتشددين الإيرانيين أن البقاء في الاتفاق النووي وفي معاهدة حظر الانتشار النووي عملية مرهقة وبالغة التكلفة ولا تؤمن مصالح إيران الاستراتيجية؛ اضافة الی الاعتقاد ان التوصل إلى السلاح النووي من شأنه إيجاد حالة من “توازن الرعب” مع “إسرائيل”، وبذلك تستطيع إيران تأمين أمنها القومي بعيداً عن التهديدات المحتملة.

هذا الاعتقاد وان كان لم ينضج بعد وغير متبلور عند جميع الاوساط المتشددة حتى يُوضَع علی طاولة المناقشة والصيرورة الا انه غير بعيد عن أذهان عديد الشخصيات الممسكة بالقرار خصوصاً في ظل عدم توصل مفاوضات فيينا إلى أي نتيجة حتى الآن.

ويعتمد نضوج هذا التصور وتبلوره، إلی حد بعيد، علی الضغوط الامريكية والغربية الموجهة لإيران؛ وسيكون العكس صحيحاً اذا قررت الولايات المتحدة التعاطي ايجابياً مع المقترحات الإيرانية، وهذا يتطلب أولاً عدم التنفس أمريكياً من خلال “الرئة الاسرائيلية” في الإقليم؛ وكل ما عدا ذلك يدفع بإيران الی منصة نووية ستكون مقلقه للجمیع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.