الثقافة الاسلامیۀ
موقع إسلامي وثقافي الثقافة الاسلامية

الجيش الإسرائيلي والتغييرات العملیه

0 127

في ظل تصاعد اليمين المتطرف يتوقع أن يتحول دور الجيش الإسرائيلي وسيطرأ تغييراً على نظامه العملاني؛ سیتمثل هذا التغيير في تحول الجيش من بوتقة انصهار الأمة اليهودية في إسرائيل، إلی وسيلة لتمرير الصلاحيات التي مُنحت للأحزاب المتطرفة.

د. حسين رويوران

 

يُعد تعزيز الثقة العامة بالحكومة والمؤسسات الديمقراطية من خلال منح المواطنين دورًا فعالاً في بناء المؤسسات، من أهم الاستراتيجيات المتبعة في ممارسة الحکم في عصرنا الراهن، فجميع الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية تسعی إلی تعزيز القاعدة الشعبية ومواجهة تآكل القيم وتعزيز الثقة في مؤسساتها من خلال اتخاذ قرارات لإظهار النزاهة والانفتاح، سواء كانت هذه القرارات حقيقية أو دعاية أو خلق ‏رغبات لدى الجمهور. في المقابل، لاتزال بعض الأنظمة تصر على مواصلة سياستها التقليدية فهي لاتزال متمسکة بالعسکر کضامن وحيد لبقائها، فهي لاتجامل في الاعلان عن کون الجيش هو العمود الفقري للدولة وليس الشعب!

وخیر مثال للأنظمة المبنية على عقيدة عسكرية، هو النظام الصهيوني، فقد ظل الجيش بالنسبة لحکومات الکيان بمثابة عمود فقري لأجهزة الدولة بفسادها المشين.

يعود سبب ارتهان الواقع والمستقبل الإسرائيلي إلی الجيش –برغم ادعاء إسرائيل بكونها ديمقراطية- إلی هشاشة البنية الاجتماعية في دولة الكيان، وتغلغل العنصرية بين شتى طوائفه، فمن خلال التركيز على الأوضاع الاجتماعية للعرقيات في الأرض المحتلة يساهم في معرفة عمق الفجوة بين هذه العرقيات.

        لايخفی علی أحد أنه قبل مائة عام لم يكن في التاريخ دولة تسمی “إسرائيل”. لقد انتعشت حركة الاستيطان اليهودي والهجرة إلى فلسطين بعد الاحتلال البريطاني لفلسـطين والذي تلاه مباشرة صدور وعد بلفور عام 1917م، فبریطانیا هي التي وهبت بموجب وعد “بلفور” المشؤوم، حقًا مزعومًا لليهود في تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. ولم يكن في فلسطين، غير بضع ألاف من اليهود، قبل وعد بلفور وإقامة دولة اسرائيل المزيفة.

کانت بداية إنشاء أولى المنظمات العسكرية في فلسطين، تحت ستار الحراسة والدفاع عن التجمعات السکنية التي کانت تضم جماعة من المزارعين أو العمال اليهود الذين يعيشـون ويعملون سـوياً. وقامت الحرکات اليهودية المسلحة کهاغانا وارغون وشترن وبالماخ وغيرها، بارتكاب المذابح والمجازر بحق أبناء الشعب الفلسطیني لطرده من أرضه. کان الهدف من ارتکاب هذه المجازر، الطرد القسري والتطهير العرقي للفلسطينيين تمهيداً لتحقيق حلم الصهيونية بإنشاء وطن قومي لليهود. وخلال الأحداث التي رافقت إنشاء دولة “إسرائيل” سنة 1948، ونتيجة لما قامت به الجماعات اليهودية المسلحة، فرّ أكثر من 800 ألف فلسطيني أو طردوا من ديارهم، وتعرّضت أكثر من 600 قرية فلسطينية إلى أعمال تدمير.، ولايزال اللاجئين الفلسطينيين يعانون في كافة أماكن تواجدهم ظروفا قاسية.

علی الصعيد العلمي في جمیع أنحاء العالم، تُقدم الشعوب وتطلعاتها علی الحکومات والمؤسسات العسکرية وليس العکس، فالمفترض أن يكون الجيش في خدمة الشعب ويعمل لحفظ أمن واستقرار الوطن. أما بالنسبة لإسرائيل فالصورة معکوسة تماماً، لأن إسرائيل دولة بلا هوية، فداية التکوین الاجتماعي في الکیان الصهيوني کانت باغتصاب الأرض ثم توطين اليهود في دولة الاحتلال على حساب الفلسطينيين وأرضهم. لقد تولی الجيش الإسرائيلي مهمة صناعة وتکوين الشعب(من خلال دمج الجاليات وصهرها واستيعاب مجموعات المهاجرين) لکن هذه الاستراتيجية منيت بالفشل فلم يتمکن من ترميم الشرخ الاجتماعي في إسرائيل.  إضافة إلی ذلک، لقد حاولت مجموعة الإسرائيليين الأولى من المهاجرين طوال السنوات الماضية بواسطة سياسة “دمج الجاليات” و”الصهر” واستيعاب مجموعات المهاجرين الشرقيين في داخلها من منطلق الطموح إلى خلق شعب إسرائيلي يهودي.

وافترضت عقيدة الامن القومي الاسرائيلي الحاجة إلى جيش المواطن، المبنية على التجنيد الشامل، إلی جانب مايسمی بجيش الدفاع. ومعروفٌ أنّه، من ناحية قانونية، على كلّ رجل إسرائيلي دون الخمسين من عمره الالتحاق سنويًا بدورة خدمة الاحتياط العسكرية شهرًا. والأمر نفسه بالنسبة لکل امرأة دون الـ45 من عمرها. وسيتم اللجوء إلى التعبئة العامة أي حشد جميع وحدات الاحتياط استجابة للطوارئ التي تتعرض لها البلاد(الأرض المحتلة)، في حالة الحرب أو شبه الحرب، و جميع الوحدات والأفراد ملزمون وعليهم واجب الاستجابة لتعبئة.     

لاشک أن  اعتماد هذه العقيدة السعکرية التي حولت المجتمع إلی ثکنة عسکریة، يعكس جانبا من الإستراتيجية الإسرائيلية  وهي اسراتيجية لا مثيل له في أي دولة أخری. الهدف الأول والآخر من هذه الاستراتيجة هو: دمج الجاليات وصهرها من منطلق الطموح إلى خلق شعب إسرائيلي يهودي.  ومن أولی مهام المؤسسات العسکرية الإسرائيلية منذ قيام الدولة عام 1948م إلی يومنا هذا هو العمل علی دمج الجاليات اليهودية المهاجرة إلی فلسطین، والتي جاءت من 70 دولة حول العالم. بغية ذلک، قام جيش الاحتلال بإنشاء لجان ومؤسسات ثقافية وسياسية تعمل تحت مظلة الجيش.

ومن المفيد الإشارة إلی أن استدعاء کبار السن و من هم دون الخمسين في شهرياً للقيام بتدريبات متنوعة عاد بسلسلة من النتائج السلبية منها تفکک الأسرة أو انهیار الکيان العائلي و تصاعد ظاهرة العلاقات المحرمة و منها ارتفاع ظاهرة التحرش الجنسي في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ويواجه الجيش الإسرائيلي، العديد من ظواهر الفساد، وتأتي ظاهرة “التحرش الجنسي”، على رأس المشاكل الكبيرة التي تثير الأزمات في المجتمع. ففي السنوات الأخيرة ارتفعت ظاهرة التحرش الجنسي في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي بحسب معطيات رسمية إسرائيلية. ولکن برغم کل هذه السلبيات، لايزال صناع القرار في الکيان الصهيوني مصرون علی بناء الأمة وإنشاء الهوية القومية وهيكلتها.

وأظهرت النتائج النهائية لانتخابات الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) حصول معسكر زعيم اليمين الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على 64 مقعدا. إن حکومة نتنياهو الحالية تمثل اختلافا نوعيا ومثيرا للقلق عن جميع الحكومات فهناک خشية من أن يؤدي ذلك إلى زيادة الانقسامات. تتألف الحكومة الجديدة من أحزاب تعرف باليمينية واليمينية المتطرفة، ولکل حزب مطالب تبدو تعجيزية حتی بالنسبة لنتنياهو المعروف بتطرفه. بديهي أن رضوخ نتنیاهو لمطالب الأحزاب اليمينية المتطرفة يعني تشکيل حکومة ستشکل تهديدا كبيرا لمستقبل إسرائيل وتوجهها وأمنها.

ومؤخراً، وقّع حزب الليكود بزعامة نتنياهو مع حزب “القوة اليهودية” بزعامة إيتمار بن غفير اتفاق تحالف يمنح الأخير حقيبة الأمن الداخلي. إن منح حقائب الأمن للمطرودين من الجيش بسبب التوجهات المتطرفة و خطورتها علی التماسک الاجتماعي والعسکري، إلی جانب منح نتنياهو صلاحيات خطيرة لسموطريتش وبن غفير سيؤدي سيشکل تحدياً کبيراً للجيش بوصفه بوتقة انصهار الأمة اليهودية في إسرائيل مما سيؤدي لـفوضى وانهيار اجتماعي. وعليه يمکن القول إن الجيش سيکون کأداة لتمریر أهداف الأحزاب المتطرفة.

من جهة ثانية، ان منح الحقائب الهامة الأخرى: کالتربية والتعليم، و وزارة المواصلات اليهود المتزمتون” الحرديم” سيمهد لإحداث شروخ اجتماعية کبيرة وسيعمق الخلافات بين الأحزاب العلمانية والدينية، مما يدفع الكثيرون إلى الهجرة لمواجهة تداعيات هذه التغيرات في البنية السياسية.

الجدير بالذكر أن بعض القادة والمحللين في إسرائيل يحذرون من أن نتنياهو يسعى لمصلحته الشخصية، ومن أجل الهروب من القضايا المتهم فيها، سیقدم تنازلات وسيمنح صلاحيات تمس بأمن الکیان وستُسَرِّع من وَتيرة الانهيار، فالاتفاقيات الائتلافية تعكس الاتجاه نحو التطرف بالمجتمع الصهيوني، واحتدام الصراع داخليا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.