الثقافة الاسلامیۀ
موقع إسلامي وثقافي الثقافة الاسلامية

ماذا إذا رفضت إيران المسودة النووية الأوروبية؟

0 379

محمد صالح صدقيان

🚨انتهت أحدث جولة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة يوم الإثنين الماضي بتنظيم “مسودة اتفاق” اشترك في صياغتها الإتحاد الأوروبي والجانب الأمريكي وسُلمت للجانب الإيراني مع توصية وجهها المتحث باسم الإتحاد الأوروبي بيتر ستانو بوجوب الإجابة عليها بـ“نعم” أو “لا”.

قبل أن أبدأ بتحليل ما تضمنته هذه المسودة التي نقلها مصدر خاص؛ يبدو أن السيد ستانو أساء التعبير إما لجهله بآلية التعامل مع الجانب الإيراني أو أنه أخطأ الحسابات في معرفة السلوك الإيراني التفاوضي الذي لم يعتد علی الإجابة بنعم أو لا، ذلك أنها غير موجودة أصلاً في ثقافته التفاوضية.

هذه ملاحظة منهجية؛ أما في ما يخص أصل الموضوع، فما جاء في المسودة لن يُرضي طهران. وعلی الرغم من عدم صدور موقف رسمي إيراني حيال المسودة في إنتظار ما ستؤول إليه نتائج اجتماع مجلس الأمن القومي الإيراني الذي سيقرر الموقف الرسمي النهائي؛ الا أن ثمة معلومات تتحدث عن “عدم تحقيق مفاوضات فيينا الأهداف التي دخلت على أساسها إيران إلى المفاوضات منذ نيسان/ابريل 2021”.

من أين يتأتى هذا الإنطباع؟ تتحدث المصادر الإيرانية عن أربع قضايا عالقة لم تعالجها المسودة، وهي الآتية:

الأولی؛ عدم تطرق المسودة للمزاعم التي تطرحها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشان وجود “مواقع سرية” إيرانية تجری فيها أنشطة نووية خارج رقابة هذه الوكالة؛ حيث تقول إيران إن هذه المزاعم سياسية وليست فنية وهي مستقاة من تقارير استخبارية ولذلك فهي بحاجة إلی قرار سياسي للتراجع عنها نهائياً.

الثانية؛ لا تذكر المسودة ازالة جميع العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد انسحابه من الإتفاق النووي عام 2018 والتي يجب ازالتها كشرط لعودة الجانب الإيراني إلى طاولة 5+1. هذه العودة تستبطن وضعاً قانونياً يتحلی به الجانب الأمريكي إذا عاد للاتفاق، لكن بالنسبة لإيران يجب تسوية كافة القضايا العالقة حتی لا تكون ذريعة لعودة العقوبات مرة ثانية.

الثالثة؛ لا تشير المسودة بوضوح إلى الضمانات التي تطالب بها إيران بعدم تكرار انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق كما حصل عام 2018.

الرابعة؛ تتضمن مسودة القرار رفع عقوبات بشكل تدريجي يتناسب مع الخطوات التي تنفذها إيران لخفض التصعيد في برنامجها النووي، وهذا ما ترفضه طهران لأنه يرتبط بتأجيل فتح منصة التبادل المالي “سويفت” مع البنوك الإيرانية؛ وهو يعني أن إيران يحق لها تصدير النفط والغاز لكنها لا تستطيع استلام أموالها إلا بعد حين وهي عملية غير مضمونة النتائج.

هنا يبرز السؤال الملح الذي ينتظر إجابته كثيرون؛ ما هي الخطوة اللاحقة؟

إما أن يقبل الاتحاد الاوروبي مناقشة هذه القضايا مع طهران حتی يخرج الدخان الابيض من مدخنة مطبخ القرار الإيراني؛ وإما ان يتم الاعلان عن موت الاتفاق النووي المسجی سريرياً في غرفة العناية المركزة في قصر كوبورغ في فيينا؛ أما السيناريو الثالث فيتمثل في قيام الدول الاوروبية بتنفيذ الاتفاق النووي بعيداً عن الجانب الأمريكي وهذا الأمر غير ممكن في ظروف اوروبا الراهنة.. وكذلك إستناداً إلى تجربة تعامل الأوروبيين مع إيران بعد خروج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي في العام 2018.

هناك خشية أن تكون ادارة الرئيس الأمريكي جو بايدن غير راغبة بتسوية الملف الإيراني قبل الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر القادم؛ وان بايدن يعمل علی تجميع الأوراق الرابحة في سياسته الخارجية من أجل تقليل خسائره في هذه الانتخابات المصيرية للديموقراطيين والمصيرية ايضاً لانتخابات 2024. وبذلك فان الادارة تريد ان تلعب بالورقة الإيرانية ليس لحلها وانما لادارة ايقاع السلوك الإيراني واستهلاكه من اجل التفاهم معه في ظروف أفضل وشروط أحسن لواشنطن.. مستقبلاً!

صاحب القرار الإيراني غير بعيد عن هذه التصورات خصوصاً أن بلاده ألمحت إلى بلوغها العتبة النووية اضافة إلی إستمرارها بالتمسك بأوراقها الاقليمية والدولية وهي مصدر قوة لها لا العكس.

اقتصادياً؛ وهي الورقة الأكثر ضعفاً في الموقف الإيراني؛ فان العارفين في الاوضاع الاقتصادية الإيرانية يتحدثون عن ايداع البترودولار في صندوق الاحتياطي النقدي وان مفتاح الصندوق حصراً بيد القيادة التي تشرف علی صرف مبالغه في إطار آلية تتسم بالتعقيد ولكن بأولوية تحسين المستوی الاقتصادي للمواطنين وتلبية الحاجات الاساسية الاستراتيجية لإيران، وهذا الصندوق فيه ما يكفي لمواجهة التحديات المحدقة بإيران. زدْ على ذلك أن علاقات إيران الاقتصادية باتت أفضل بكثير عما كانت عليه عندما دخلت المفاوضات في نيسان/ابريل 2021. فهي الآن تتعامل مع روسيا بحرية اقتصادية أكبر وفق معاهدة استراتيجية سيتم توقيعها خلال اسابيع؛ ومع الصين وفقا لبرنامج عمل مشترك لمدة 25 عاما في الوقت الذي قُبلت عضويتها في “منظمة شنعهاي للتعاون الاقتصادي” وتتطلع للانضمام قريباً إلى مجموعة “بريكس” الواعدة؛ ناهيك أنها تتهيأ للعمل بـ”السويفت” الروسي اضافة الی شروعها بعمليات الاستيراد والتصدير عبر العملات المشفرة والرقمية.

هذا لا يعني ان الاقتصاد الإيراني بخير أو أنه بالمستوی الذي يجب ان يكون عليه، لكن الإيراني يعتقد ان كلفة الخضوع للمقاسات الأمريكية والغربية أكبر بكثير من الكلفة الإقتصادية التي يمكن أن يجنيها، وهو يفكر بمقاسات تجعله لاعباً ليس علی المستوی الإقليمي وانما علی المستوی الدولي ايضاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.