الثقافة الاسلامیۀ
موقع إسلامي وثقافي الثقافة الاسلامية

 ماهو الاقتصاد الإسلامي؟

0 357

حوار مع الخبیر في الشؤون الاقتصادية الدکتور حسن سبحانی  والحوار أجري بتاریخ 30 دیسمبر 2018م.

 

 

 

 

السؤال: أستاذي الفاضل؛ نشکرکم على الفرصة التي أتحتموها لنا لمناقشة مسألة هامة تتعلق بالاقتصاد. کما لایخفی علی شریف علمکم، ان أحد أبعاد الأحکام الإسلامية یرتبط بالأحکام الاقتصادية، وبطبیعة الحال هذه الأحکام مبنية علی رؤية کونیة تسمی رؤیة الإسلام للعالم. السؤال هو: هل یمن اعتبار”الاقتصاد الإسلامي” في ذاته علماً نظریاً أم انه مکتب أو نظام مستقل بذاته؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحیم. في البداية أتقدم بالشكر والعرفان لكم وللقائمين على هذا المنبر الإعلامي. رداً علی سؤالکم یمکن القول: إن الاقتصاد بمعناه العام أو بوصفه علما حدیثاً، یختلف تماما عن معنی الاقتصاد المطروح في الأحکام الاسلامية، فالاشتراک اللفظي هو الوجه المتشرک الوحید بین هذا وذاک. وهذا یعني ان معنی مصطلح”اقتصاد” لغویاً والمعروف في عالمنا المعاصر یختلف مع معناه اللغوي في الادبیات الاسلامية. لذا إذا اردنا محاکاة الاقتصاد المبني علی الأحکام الاسلامية مع الاقتصاد بوصفه علماً نظریاً، لابد لنا من مراعاة الاختلاف المفهومي الموجود بینهما. ثم إن الأحکام الاقتصادية الاسلامية هي التي ترتبط بقواعد البیع والشراء. أما في العصر المعاصر لم یتم  العمل علی تبیین نظاما اقتصادیا مبنی علی الأحکام والتعالیم الإسلامیة المرتبطة بالاقتصاد.

 

الجدیر بالذکر ان الاقتصاد بالمعنی الذي یدل علی الاستهلاک المبني على التدبير والعقلانية ماهو إلا معنا لغویا للکلمة. إن الاقتصاد بمعناه العلمي هو توظیف الموارد الطبیعية بأفضل شکل ممکن. وهذا العلم ینطلق من کون هذه الموارد قد اصبحت قليلة، في حین ان للانسان احتیاجات کثیرة، لذا لابد لنا من استخدام هذه الموارد بصورة تکون متناسبة مع احتیاجات الانسان ومتطلباته. إن الجهة التي تقوم بتأدية هذه المهمة هو العلم والمعرفة الاقتصادية. فهذه المعرفة وبناء علی المباني القائمة علیها قادرة علی تحقیق ذلک وفقا للاستهلاك المبني على التدبير. فهکذا یمکن الجمیع بین المعنی اللغوي والمعنی العلمي للاقتصاد. إن ذکر هذا الاختلاف المفهومي کان ضرورا للولوج في صلب الموضوع.

وبناء علی ماتقدم یمکننا ان نتطرق إلی السؤال المطروح وهو: هل  الاقتصاد الاسلامي یعد في ذاته علماً نظریاً أم انه مکتب أو نظام مستقل بذاته؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من تعریف الصفة الاسلامية لهذا الاقتصاد، فهل المقصود هو الاستهلاک المبني علی التدبیر والعقلانية وعدم التبذیر، أم المقصود هو قواعد البیع والشراء، أم معرفة کیفية استخدام الموارد الطبیعية؟ برأيي بما اننا لم نقم بالتفکیک بین هذه المفاهيم المختلفة للاقتصاد، قام البعض بتعریفه علی انه علم، والبعض قال إنه مکتب والبعض الآخری اعتبره نظاماً. ویوجد فریق آخر کالشهید صدر اعتبره مذهبا یعتمد علیه في القضایا الاقتصادية. ولکل فریق من هؤلاء استنتاجات خاصة من العناوین التي اطلقوها.

المعروف ان بعض علماء الاقتصاد في العصر المعاصر من الذین لدیهم توجهات اسلامية، حاولوا المزج بین المعرفة العلمية التي اکتسبوها بحکم دراستهم في المعاهد العلمية، والأحکام الإسلامية. إعدد هؤلاء الأفراد لیس بالعدد القلیل. إن هؤلاء یقررون بأن  الاقتصاد الاسلامي هو عبارة عن علم. ان المفهوم المراد-بحسب هؤلاء- من الصفة الاسلامية(التي تأتي إلی جانب الاقتصاد) لاتعني القواعد والأحکام الإسلامية المرتبطة بالبیع والشراء، بل المقصود هو المعرفة المرتبطة بکيفة استخدام الموارد الطبیعية بصورة تکون قادرة علی تلبية کافة احتیاجات البشر.

إلی جانب ذلک، قام البعض بتعریف الاقتصاد الاسلامي بأنه عبارة عن نظام اقتصادي. وهناک من یعتبر الاقتصاد الاسلامي بأنه منهج خاص ومحدد. والمنهج هذا یعني السیاسة الاقتصادية التي یمکن اعتمادها لتغییر الظروف الحالية(غیر المناسبة) إلی ظروف أفضل، وهذه العلملية یجب ان تتم عبر مراعاة مبدأ العدالة. إن هذا المنهج کان متبعا من قبل الشهید السید محمد باقر الصدر. فکان یسمي هذا لاتجاه بأنه منهج تبني العدالة للعمل علی تغییر الظروف الحالية(الأوضاع الفاسدة) وتحسینها لتتحول إلی ظروف مناسبة بناء علی ما توصي به الأحکام الدینية. أما الطرق التي نتوسل بها لتحسین الظروف المعیشية ونتمکن من خلالها القضاء علی الفساد فتسمی منجها أو مذهبا اقتصاديا.

 

 

السؤال: تفضلتم ان الشهید صدر کان یری بأن الاقتصاد الإسلامي هو عبارة عن مذهب یمکن اتباعه لتحسین الظروف السائدة والانتقال إلی ظروف أفضل عبر الاعتماد علی العدالة. هل العدالة تعني الالتزام بمبدأ المساوات؟ أم بمعنی الأخذ بعین الاعتبار مبدأ القدرات الفردية؟ نحن في الإسلام لدینا کلا المعنیین. إن العدالة بمعنی المساوات تعد من الصفات البارزة في السیرة النبوية والإمام علي بن ابي طالب(ع). وتوجد عبارة معروف منسوبة للإمام علي یقول فیها إن العدالة هي عبارة عن جعل کل شيء في محله. کیف أجاب الشهید صدر عن سؤال: ماهي العدالة؟

الجواب: یتضح من خلال کتاب”اقتصادنا” ان الشهید صدر لم یتحدث عن المفهوم الرئیسي للعدالة؛ أي انه لم یوضح ماهي العدالة. لکنه وفي حدیثه عن قضية التکافل الاجتماعي یؤکد بأن المسلمین لدیهم واجبات تجاه بعضهم البعض. وکذلک الحکومة علیها واجبات تجاه المجتمع، أي انها مکلفة بتوفیر الامکانیات للمحتاجین والذین لیس لدیهم القدرة علی توفیر احتیاجاتهم. فهناک واجابت تقع علی عاتق المسلمین، وتلک الواجبات لاتتوقف عند الزکاة والخمس، بل معناها هو: «مَن اَصبَحَ وَ لَم یَهتَمَّ بِاُمورِ المُسلِمینَ فَلَیسَ بِمُسلِم»؛ إلی جانب هذه الواجبات الملقاة علی عائق المسلمین، الحکومة ایضا مکلفة بتوفیر الظروف المناسبة لحصول المحتاجین علی مایحتاجونه في حیاتهم الیومية. هذه هي رؤية الشهید صدر عن العدالة، لکن حول المیزات الأساسیة للعدالة وحدودها فلاتوجد نصوص صريحة-في الکتاب- تدلل علی ذلک.

السؤال: في القرآن الکریم یخاطب الله سبحانه وتعالی رسوله بهذا الشکل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِینَ} ان البعض قام بتفسیر العفو في هذه الآية علی أنه الزیادة في المال. أي الله سبحانه وتعالی أمر رسوله الکریم(ص) بأن یأخذ فائض المال من الناس علی شکل خمس وزکاة. وهذا یؤکد بان هناک قضایا مالية توجد في الأحکام الإسلامية. برأيکم ماذا یعني المزج بین هذه المفاهيم الإسلامة والقواعد المعروفة في علم الاقتصاد؟

الجواب: برأي لایمکن الجمیع بینهما. لأن علم الاقتصاد یقوم علی الفردية في اثبات الحقائق العلمية. أي ان المهم هو الفرد، ولا أهمية للقضایا الأخری کأصالة المجتمع.  وبناء علی ذلک أن الأساس في الفکر الفلسفي هو ان الحرية التامة للانسان، لاتقبل اللیبرالية أي تدخل في الشؤون الفردية للاشخاص. فمن القضایا التي لایمکن لها ان تتدخل في الحریة الفردية هي مقولة الدین. وکذلک قضية فرض القوانین علی الشؤون الفردية. أي ان الفرد حر في التصرف في امواله. وعلیه یمکن القول ان تدخل الدین لتنظیم الشؤون الاجتماعية (علی سبیل المثال أخذ فاض المال من الناس)، یتناقض مع مبادئ العلم الذي تکون الفردية أساسه.

 

 

 

السؤال: هل نفهم من کلامکم باننا ومن أجل ادارة النظام الإسلامي والحکومة الدینية لایمکننا الاستعانة بعلم الاقتصاد؟

الجواب: لیس بالضرورة اننا لانستطیع ذلک. لکن بشکل عام لایمکننا جعل التصرفات الفردية للانسان، والتفرد بالقرار وحبه للآخرین کأساس التعلیم والتحقیق في المجتمع الاسلامي.

السؤال: برأيکم ما هو الحل أو ماذا علینا أن نفعل؟

الجواب: بشکل عام اننا وبالعودة إلی التعالیم الإسلامية التي تؤکد علی اصالة الفرد والمجتمع علی حد سواء، علینا العمل علی تعليم ونشر سلوکیات وتعریف نظریات خاصة بالإنسان المسلم، بحیث تکون هذه النظریات تؤکد علی أصالة الفرد إلی حد لاتتقاطع مصالحه ومصالح المجتمع. وینبغي ان تکون هذه القواعد تؤکد علی قاعدة«لا ضرر و لا ضرار في الاسلام». بطبيعة الحال ان هذه القواعد نافية للحرية المطلقة للأفراد. ومعنی ذلک اننا بحاجة إلی إعادة صیاغة لبعض الأحکام والقواعد بحیث تکون هذه القواعد أو الأطر مأخوذة ومستخرجة من التعالیم الإسلامية.

السؤال: برأیکم ماذا تسمی هذه القواعد والأطر؟

الجواب: انا شخصیا اسمیها الاقتصاد. لکن الذین سوف یعملون في هذا الاقتصاد سختلفون تماما مع الآخرین(العاملين في الاقتصاد بمعناه المتعارف علیه) من حیث القيم والمنطلقات الفکرية. وهذا الاختلاف ینطلق من کون الاقتصاد الاسلامي یؤمن باصالة الفرد إضافة إلی اصالة المجتمع. في حین ان الاقتصاد بمعناه العالم یؤمن باصالة الفرد فقط.

علی سبیل المثال، ان هناک رأیا سائدا في الاقتصاد یؤکد علی ضرورة عدم تدخل الحکومات في الشؤون الاقتصادية، لأن تدخل الحکومة في الاقتصاد یعني التدخل في حريات الأفراد. فبناء علی هذا لاینبغي للحکومة ان تتصرف بالشؤون المرتبطة بالحرية الفردية لکافة افراد المجتمع. لکن في الاقتصاد الذي یؤکد علی اصالة الفرد إلی جانب المحافظة علی المصالح العامة، لابد للحکومة والنظام والإمام من التدخل فیه. في الحقیقة هناک فرقا واضحا بین هذا وذاک، وان وجدت بعض الاشتراکات بینهما.

 

السؤال: في النظام الإسلامي الأساس في تنظیم القواعد هو المحرمات والواجبات، في حین ان في النظام الرأس مالي الأساس هو حرية الفرد. برأيکم کیف یمکننا تبیین هذا التعارض وایجاد حلول مناسبة لمعالجة القضية؟

الجواب: إن هذا التعارض ینشأ عن نوعية التکاليف التي تقع علی عاتق الأفراد من جهة وإدارة هذه التکاليف من جهة ثانية. في النظام الإسلامي یمتلک الفرد مساحة من الاختیارات. وفي النظام الرأس مالي یمتلک الفرد مساحة محدودة وقدراً محدوداً من هذه الاختیارات. إن الرکیزة الأساسية في النظام اللیبرالي، هو ما یراه الفرد في صالحه. في حین اننا نؤمن بأن مجيء الأنبیاء والرسل غایته هداية الإنسان نحو ما یخدم مصالحه. وعلیه اننا نؤمن بتدخل الوحي لتنظیم منهجنا في الحیاة. فمن الطبیعي ان تکون فاعلية منهجهنا تختلف عن فاعلية النظام الرأس مالي. إن مهمة العلم هي التنظیر والتأطیر لفاعلية الإنسان.  لذا من الطبيعي ان تکون النظریات القائمة علی تصرفات الفرد وسلوکیاته في المجتمعات الإسلامية تختلف عن فاعلية الأفراد سلوکياتهم في المجتمعات الرأس مالية. إن سبب تأکید البعض(وهم الغالبية) علی عدم وجود انواع للاقتصاد(أي لایجود اقتصاد یسمی اسلامي وآخر غربي) هو ان سلوکیات الأفراد وتصرفاتهم في کافة المجتمعات لاتختلف من مجتمع إلی آخر. فبناء علی هذه الرؤية ان من یعیش في المجتمع الإسلامي هو کالذي یعیش في المجتمعات الغربية، لذا یمکن تفسیر سلوکیات کافة الأفراد(في المجتمعات المختلفة) عبر الاعتماد علی نظریة واحدة.

أما قضية الاختلاف في فاعلية الانسان تعود إلی نوع التربية في المجتمعات المختلفة، فإذا استطاع النظام التربوي أو نظام التربية والتعليم في المجتمعات الاسلامية أن یربي الأفراد بناء علی التعاليم الإسلامية، في تلک الحالة یمکن الحدیث عن اختلاف في فاعلية الأفراد، لأن توجهاتهم وسلوکیاتهم تصبح مختلفة عن أفراد المجتمعات الأخری.

 

السؤال: في هذه الحالة، هل یمکننا إضافة الصفة الإسلامية إلی الاقتصاد؟

الجواب: نعم. شخصیا لیس لدي تحفظ أو حساسیة علی الصفة الإسلامية التي تضاف إلی الاقتصاد. وبما ان هناک مناهج اقتصادية أخری کالاقتصاد الرأس مالي، یمکننا ذکر الصفة الاسلامية لتمییز بین هذا المنهج والمناهج الاقتصادية الأخری. أما لو وصلنا إلی مرحلة تسود فيها الشریعة الإسلامية العالم، وبتبع ذلک یسود منهج الاقتصاد الاسلامي في المجتمعات المختلفة، فعند ذلک یمکننا تسمیة هذا الاقتصاد بالاقتصاد العالمي دون ذکر الصفة الإسلامية أو أي صفة أخری.

السؤال: إن الاقتصاد الذي یعرف بالاقتصاد الإسلامي لابد له من الانطلاق من الرؤية الکونية للإنسان المسلم. ففي هذه الحالة تکون هناک اعتبارات معنوية ترتبط بالآخرة تضاف إلی الاعتبارات المادية. یبدو ان المرحوم الشهید محمد باقر الصدر عندما قام بکتابة کتاب”اقتصادنا” کان یقصد الاقتصاد الإسلامي، من وجهة نظر رجل دين شيعي. فمن یقرأ هذا الکتاب یتوقع من الشهید ان یقوم برسم الرؤية الکونية الإسلامية للشؤون الإقتصادية. في هذه الحالة ماذا یمکننا ان نسمی الاقتصاد الإسلامي؟ هل هو مکتب أم علم؟ ما هو رأيکم حول هذه القضية؟

الجواب: المرحوم الشهید محمد باقر الصدر قام بتعریف هذا المذهب اربعة مرات خلال مراحل مختلفة من حیاته. وکل مرة کانت أکمل من الدفعات السابقة. وانه کان یؤکد بصراحة ووضوح بأننا لانمتلک اقتصادا اسلاميا، لکنه في نفس الوقت کان یؤکد ان عدم امتلاکنا لايعني اننا لانستطیع ان نمتلک ذلک. اننا نستطیع ان نمتلک اقتصاد اسلاميا، وذلک یتم عندما استطعنا ان نغیر سلوکیات الأفراد في المجتمعات الإسلامية بناء علی التعاليم الإسلامية. ولمعرفة السلوک الفردي یمکننا الاستعانة بالنظریات الاجتماعية الجدیدة، لأن ذلک یمکننا من استخلاص نتائج جدیدة تؤدي إلی صیاغة نظریات جدیدة سوف توصلنا إلی الاقتصاد الاسلامي. يتضح مما تقدم ان الشهید الصدر کان یری بأن الظروف غیر مناسبة لتحقیق ذلک، وهذا هو السبب الذي دفعه لتسمیته بالمذهب. انه یؤمن بأن المذهب هو مرحلة انزل من المکتب. إن ما یمکن قوله الآن هو اننا لدینا مبحثين في مستویین. المبحث الأول هو: إذا اردنا الحدیث عن الاسلام والاقتصاد الإسلامي ماذا علینا طرحه؟ برأيي ان الظروف الراهنة شبیهة بالظروف التي کانت سائدة في صدر الإسلام. في صدر الإسلام کان النبي(ص) یتعامل مع ناس کانوا یعیشون في زمن الجاهلية. فبعد ان اعتنق بعضهم الإسلام، تم تصحیح سلوکیاتهم الاقتصادية من خلال وضع قوانین وأحکام تتعلق بکيفية البیع والشراء والمبادلات التجارية.

أما إذا عدنا إلی تلک القواعد یتبین لنا بأن تلک القواعد کانت عبارة عن مبادئ إرشادية. علی سبیل المثال إذا تم الحدیث عن ضرورة عدم التوقف کثیرا في الأسواق لأنها محل لتواجد الشیطان، في الحقیقة یتم ذم الأفراد عن تواجدهم في الأسواق من جهة ومن جهة ثانية تتم دعوة الإنسان إلی الطریق الصحیح. الجدیر بالذکر توجد هناک قضية اقتصادية أخری وهي قضية: «الکاسب حبیب الله». قد طرحت هذه القضية لکي لایتم نقض النشاط الاقتصادي، لکن في نفس الوقت یتم تحسین السلوکيات المرتبطة بالنشاطات الاقتصادية. إن الظروف في یومنا هذا شبيهة بالظروف التي کانت سائدة آنذاک. لاشک اننا تأثرنا بالنظرة الکونية لمبنية علی اصالة الفرد، وهذه النظرة تتناقض مع التعاليم الإسلامية. لذا برأيي یجب الآن طرح قواعد اقتصادية تهدف لتحسین سلوکیات الأفراد في المجتمعات الإسلامية. لذا إذا تطرقنا إلی القواعد الاقتصادية الاسلامية من هذا المنظار فسوف يکون عملنا في هذا المجال مجدیا. یجب القیام بدراسات مبنية علی قواعد خاصة کما یتم في الجامعات الغربية. برأيي اننا الآن نمر في مرحلة انتقالية، لذا لابد لنا من الترکیز علی الاصلاح وإشاعة الأحکام الإسلامية المرتبطة بالشریعة الإسلامية. فلو تجاوزنا هذا المرحلة یمکننا رسم نظام اقتصادي له سیاق خاص.

في النظام الاقتصادي یتم الترکیز علی عنصرین اساسیین؛ الأول: ملکية ادوات الانتاج. والثاني: دوافع الأفراد لممارسة النشاط الاقتصادي. علی سبیل المثال ان الرأس مالية هي نظام اقتصادي یکون فیه ممارسة النشاط بدوافع الحصول علی المال والحصول علی الملکية الخاصة لأدوات الانتاج. في تعالیمنا الإسلامية توجد احکام عدیدة تتعلق بملکية الأفراد لأدوات الانتاج، وکذلک أحکام تتعلق بدوافع الأفراد للمارسة نشاطاتهم المختلفة. ومن هذه التعریف یمکننا بناء مؤسسات. أما عن المستویات فیمکن القول: إن المستوی الأول یتعلق بالطرح نظام اقتصادي للاقتصاد الإسلامي. برأيي ان عملية البحث عن علم الاقتصاد الاسلامي وتجاهل علوم الآخرین ونظریاتهم، هي خطوة غیر مجدية. اما المستوی الآخر ترتبط بالأخذ بعین الاعتبار الأصول الحاکمة علی الرؤیة الکونية الإسلامية والتي ترتبط بکافة القضایا منها القضایا الاقتصادية. یجب رسم خارطة عامة تشتمل علی انظمة العلاقات، والأنظمة التشريعية والأخلاقية الإسلامية. برأيي یجب اعتماد نظام مبني علی التعاليم الإسلامية بحیث یکون موجها لسلوکیات الأفراد ونشاطاتهم. فبعد أن قام الأفراد بالعمل-لفترات طویلة-بالقواعد الحاکمة علی هذا النظام عند ذلک تکون الفرصة مناسبة للجهات المعنية القیام بتقییم لسلوکیات الأفراد وتصرفاتهم وصولا لصیاغة نظريات خاصة وحددة.

 

السؤال: إن قواعد الرأس مالية تقول شيء وفي العمل تقوم بشيء آخر. في المجتمعات الغربية تقوم الحکومات بتوفیر احتیاجات الأساسية للإنسان. علی الأقل أنها تقوم بتوفیر السکن وفرص العمل الأفراد. وکذلک تقوم بتوفیر الخدمات الصحية والطبیة. ثم تقوم بتوفیر بيئة اقتصادية تنافسية. في حین اننا إذا قمنا بمراجعة أصول الرأس مالية نری شيئا آخر. في حین اننا نرید الاستعانة بهذه الأسس وثم تطبیقها في مجتمعاتنا. ماهو رأيکم بهذا الخصوص؟

الجواب: کما تفضلتم ان التمویل قد بدأ منذ قرنین من الزمن، وعلیه استطاعت هذه العملية ان تمر بمراحل اصلاحية مختلفة. إن العصر الحالي هو التمویل الانحصاري الارشادي بنفس المواصفات التي ذکرتم. إن التمویل في السابق کان تمویلا تنافسیا لایعرف الاحتکار. لکن الیوم نشهد التمویل والاحتکار یتم عبر شرکات دولية کبیرة. من جهة ثانية، یقوم المسلمون ببعض التصرفات التي تتعارض مع التعاليم الإسلامية. إن الله سبحانه وتعالی وبسبب حکمته وعلمه بنهاية الأمور قام بتحدید بعض الأحکام التي لو اتبعها الانسان یمکنه الحصول علی أهدافه مع المحافظة علی مصالحه.  إن الغربيين یقومون باصلاح انفسهم وسولکیاتهم بین فترة وفترة. والملفت للنظر ان عملية اصلاح سلوکیاتهم تعود اصولها إلی  ما قد امرت به التعالیم الإلهية. فالبعض یقول بأن الاسلام یقع مابین الرأس مالية والاشتراکية، لکن الأصح ان یقال ان الرأس مالية والاشتراکية یقومان بتطبیق ما قد امر به الاسلام في المجالات الاقتصادية .

السؤال: قد مرت ثلاثة عقود علی اشتهاد الشهید صدر. برأيکم إلی أي مدی تطورنا في مجال المعرفة الاقتصادية(الاسلامية) وإلی مدی نجحنا في تبیین الاقتصاد الاسلامي؟ وهل تمکنا بعد ذلک من طرح فکرة جدیدة حول الاقتصاد الاسلامية؟ وهل قمنا باتخاذ خطوات عملية في هذا المجال کتأسیس فرع دراسي في الجامعات؟

الجواب: لقد مرت سنوات عدیدة، وککل یمکن القول اننا نجحنا في تحقیق بعض الانجازات فيما یتعلق بالفکرة التي طرحها الشهید الصدر. لکن التعلیق عن هذه الانجازات یعتبر امرا نسبیا یختلف من شخص إلی آخر. فقد یری البعض بأننا لو اراد البعض دراسة هذه الانجازات عبر الاعتماد علی حاکمية الإسلامية بأن ما تم تحقیقه لایمکن الدفاع عنه. لکن الحقیقة قد تم اتخاذ العدید من الخطوات الایجابية في هذا المجال. علی سبیل المثال تقوم العدید من جامعاتنا الیوم بتدریس بعض المواد الدراسیة المرتبطة بالاقتصاد الإسلامي، وکذلک النظام المصرفي الإسلامي. وقد تم تدشین مؤسسات ومراکز دراسات خاصة في هذا المجال. واصبحت لدینا مجلات علمية محکمة تنشر مقالات تتعلق بالاقتصاد الإسلامي، لذا یمکن القول إننا ومن حیث الکم استطعنا ان نصل إلی مرحلة متطورة. إلی جانب ذلک، لابد لنا من الاشارة إلی بعض الحقائق. فاولی تلک الحقائق هو ان غالبية الذین یعملون وینشطون في هذا المجال هم من المتأثرین بکتاب”اقتصادنا” للشهید الصدر. وهذا یعني ان کتاب اقتصدانا اصبح مرجعا رئیسیا في هذا المجال. تتم مراجعة هذا الکتاب بشکل کبیر من قبل الباحثین، لذا نری تأثیر الشهید الصدر یظهر بشکل کبیر في نظریات وآراء بعض الأشخاص الذین ینشطون في هذا المجال. ثم ان هناک آراء نقدية موجهة لکتاب اقتصادنا. علی سبیل المثال توجد آراء نقدية موجهة لمنهج الکتاب في استخراج النظریات الاقتصادية الاسلامية. إن هذه الآراء تنطلق من کون عدم توصل المجتهد إلی مرحلة التشخیص، والمعروف ان الدلیل لایثبت والحجة لاتقام إلی بعد التشخیص والتببين. الحقیقة الثانية التي یجب الاعتراف بها هي ان الادبیات المصرفية الاسلامية تعد الرکیزة الأساسية في الاقتصاد الاسلامي، وهذا یعود للفقه الذي یختصر علی المداولات.

القضية الأخری هي التي تشکل نقاط ایجابية من جهة ومن جهة أخری یمکنها ان تشکل تحدیا یقودنا نحو الانحراف. وفي بعض الحالات یمکن اعتبار تلک النقاط انجازا جدیدا، لکن من جهة ثانية یمکنها ان تؤدي إلی فهما مغلوطا لبعض القضایا. إن هذه القضية تتمثل في سلوکیات بعض الأشخاص من الذين نشطوا في هذا المجال حیث قاموا ببذل الجهود التي بدت وکأنها خطوات ایجابية لکنها في الحقيقة تساهم في بقاء النظام الربوي وتعزیزه، وان کانت تعارض الربا إذا ما قيست باحکام الشریعة. علی سبیل المثال يوجد لدینا عقدا یسمی عقد المضاربة. (وهو نوع من الأدوات الاستثمارية في النظام المالي الإسلامي، وهو عقد شراكة بين صاحب رأس المال الذي يسمى “رب المال”، وبين من يقوم بالعمل ويسمى “المُضارب” ويشترك الجانبان في الربح، ويكون توزيعه حسب الاتفاق). إن الشریعة الإسلامية لاترفض هذا العقد. لکن بسبب الحیثات الخاصة لهذه العقد(والتي تؤدي إلی تراجع أصحاب الودائع عن التمویل)، قد یقوم البنک باضافة شروط ضمن العقد قد تفقده شرعیته. فقد یتکفل البنک خلال الشروط المضافة بالتعویض عن الخسائر المحتملة. في الحقیقة هذا الاشتراط ضمن العقود یفقدها شرعیتها وبالتالي انها تصبح تتناقض مع الأحکام الإسلامية. ان اللجان الفقهية التي تتواجد في البنوک لاتعارض هذه العقود، لکن بعدما کثرت العقود الممالثة نری تشکیل حالة من الاطمئنان لدی أصحاب رؤوس المال تشجعهم علی ایداع اموالهم في البنوک. في الحقیقة لایوجد فرقا بین هذه العقود والعقود الأخری في النظام البنکي السابق، فکلها قائمة علی شروط تتضمن الحصول علی ارباح. فالزیادة في المال هنا تسعمی نفعا وهناک تسمی ارباح! ما ارید قوله هو اننا تقدمنا في نسبة الدراسات لکن هذه الدراسات بحاجة إلی دقة کما انها تحتاج إلی عملية تنقیح. یقول الشهید مطهري: “إن میزان الدین هو العدل. لکن هذا لایعني ان کل ما یقوله الدین فهو عدل، بل کل ما یقوله العدل فهو دین.” وقد طالب البعض بادراج هذه القاعدة ضمن القواعد الفقهية.

فإذا اردنا الاستناد إلی أقوال أحد المفکرین الکبار کالشهید مطهري، نتوصل إلی ان النظام المصرفي قد یظهر وکأنه نظام مصرفي خال من الربا لکن في سیاساته الکلية في الحقيقة هو نظام استثماري. لذا لابد من معالجة تلک الدراسات فهي بحاجة إلی تنقیح وتدقیق.

 

السؤال: بعد إقامة النظام الإسلامي في ایران تمکنا من کسب العدید من التجارب وبتبع ذلک تمکنا من الحصول علی العديد من المصادر الإسلامية بشکل واسع. في فترة من الزمن کان الفقهاء لایتمکنون من الحصول علی المصادر بشکل واسع، لکن الیوم الأمور تغیرت وأصبحت لدیهم مصادر عدیدة تمکنهم من التمییز بین الروایات الصحیحة من سائرها. ومعنی ذلک ان عمل الفقهاء في الوقت الراهن أسهل بکثیر من عملهم في زمن الشهید صدر. ماهو رأيکم بهذا الخصوص؟

الجواب: صحیح ان الحصول علی المصادر المختلفة أصبح امرا یسیرا لکن  مع ذلک وجدت هناک بعض المحدودیات التي عرقلت بعض الأمور. علی سبیل ظهرت بعض الأفکار والرؤی الجدیدة، لکن بالرغم من أهمیتها لیس لها اصالة. فقد یقال بما ان الاقتصاد هو اقتصاد اسلامي لذا لایمکن للآخرین(من التخصصات الأخری) ان یبدوا آراءهم في هذا المجال. في حین ان الاقتصاد الذي یتم الحدیث عنه في هذا المجال لیس له علاقة بالاقتصاد بالمعنی المعروف، لذا یعد الاشتراک اللفظي هو القاسم المشترک بین هذا وذاک.  هذا الأمر أحدث اشکالية کبیرة، فالبعض ومن أجل الابتعاد عن التهم التي سوف توجه لهم عند ابداء آراءهم، التزموا الصمت.

وهناک حقیقة مؤسفة وهي اننا وفي الأنظمة الاجتماعية للجمهورية الاسلامية، أو في النظام التنفیذي علی أقل تقدیر، نکاد نفتقد الأشخاص الذين یؤمنون بالنظام البنکي البعید عن الربا وبشکل عام الاقتصاد الدیني. حتی لو وجد البعض من هؤلاء الذين یؤمنون باعتماد الاقتصاد الاسلامي، فانهم یخافون من الحدیث عنه خوفا من عدم التمکن من تطبیقه أو تجاهله.

 

السؤال: ان الفقهاء یطرحون قضایا تتعلق بالنظام البنکي حول قيمة الودائع المالية التتي یودعها أصحابها في البنوک. فهم یطالبون بالحفاظ علی قيمة هذه الودائع المالية. أما ما یدفعه البنک لأصحاب الودائع لایعد من الربا ولا من الربح. لکن قضية الزائد على رأس المال شکلت شبهة أصبحت محل حدیث وتضارب الآراء. ماهو رأيکم؟

الجواب: إن هذا الخطر هو الخطر الذي یحدق بنا ولابد لنا من العمل علی إزالته. لأن من یرید ایداع امواله في البنک یقوم بتوقیع عقدا یسمی عقد القرض؛ أي ان أصحاب الودائع یسمحون للبنوک بالتصرف بأموالهم، لکنهم لدیهم حق الحصول علی أموالهم إضافة إلی الزائد علی رأس المال. في الحقیقة لایوجد لدینا قرض المال في النظام البنکي الإسلامي. إن مایوجد في هذا النظام هو ان الشخص الذي یرید ایداع ماله في البنکو یعتبر مولا یجعل البنوک کوکلاء یقومون بالتصرف بأمواله بعد تحدیده للوجهة التي یرید التمویل فيها. إذن في النظام الربوي یقوم اصحاب الودائع بتملیک البنوک لفترة محددة وبعد انتهاء تلک الفترة یقوم البنک باعادة أصل الأموال إلی اصحابها بالإضافة إلی الزائد علی هذه الأموال. لکن في النظام البنکي الإسلامي یقوم اصحاب الودائع بتوکیل البنوک للتمویل في الوجهة التي یحددونها بأنفسهم. أو یسمحون للوکیل بتوظیف الأموال.

في النظام البنکي الربوي یقال یجب ان تکون نسبة التضخم أقل من نسبة الربح، وعن طریق هذا یمکن لأصحاب الودائع ان یحافظوا علی قيمة ودائعهم. لکن في النظام البنکي الإسلامي الخال من الربا، لایمتلک البنک رؤس المال بل یصبح وکیلا لها. إذن في هذا النظام یمکنني ان أحصل علی جزء من تمویل شرکة أو مؤسسة ما عبر وسیط أو وکیل وهو البنک. وفي هذه الشراکة لا أعرف هل اربح أم سوف اتضرر. في هذه الحالة لیس ضروریا ان یتم تحدید نسبة للتضخم ومقارتنها بسنبة الربح للحفاظ علی قيمة الودائع. فالبنک في النظام المصرفي الإسلامي هو الوکیل بین أصحاب الودائع والمؤسسات التمويلية. فعلی سبیل المثال إذا اودعت أموالي في شرکة الاسمنت ، وبحسب برنامج هذه الرشکة ان نتیجة هذا التمویل سوف یظهر بعد اربعة. ففي هذه الحالة لایمکنني ان اتوقع الحصول علی ارباح شهرية من الشرکة، لأن موعد جني ارباح الشرکة لم یحن. أما في حال ربحت الشرکة فسوف اکون شریکا في ارباحها مادمت ارید الشراکة معها. ان هناک رأس مال وهناک ارباح سوف تجنیهها الشرکة. فبعد تعیین نسبة الرأس المال سوف نصل إلی الأرباح.

وسوف یتم تقسیم هذه الأرباح بین أصحاب الودائع الذين اودعوا اموالهم في هذا المصنع أو الشرکة. فلو دخلت البلاد في تضخم اقتصادي سترتفع اسعار الاسمنت. وفي حال شهدت البلاد انخفاضا في نسبة التضخم، سوف تکون الأرباح اقل. ففي هذه الحالة سوف أکون قد حافظت علی قيمة اموالي، لأن نسبة ارباحي کانت مرتبطة بنسبة التضخم الذي شهدته البلاد في الفترة التي اودعت فيها الأموال في تلک الشرکة. فلا نحتاج إذن إلی محاسبة نسبة التضخم في البلاد.

 

السؤال: هذه الأحکام قد وضعت في زمن الأئمة(علیهم السلام). فالنقود کانت نقودا. لکن في العصر الراهن النقود لیست نقودا بل انها عبارة عن فاتورة. من جهته یتلاعب التضخم بسعر هذه الفاتورة؛ فمرة یزداد سعرها ومرة ینخفض! هل یمکن لهذا الأمر أن یضع کافة المداولات المالية في حالة من الشک والریبة؟ ما رأيکم حول ذلک؟

الجواب: في الحقیقة ان ما نسمیه نقود في عصرنا الحالي لیس هو الأصل في المداولات المالية؛ فقد کانت هذه النقود -في فترة من الزمن- فضة أو ذهبا ثم تحولت إلی نقود والیوم أصبحت بضائع. أما قيمة هذه الأموال مرتبطة بسعر البضائع في السوق. فقد تزداد الأسعار أو تنخفض. بتبع ذلک، قد یزداد سعر الفائدة أو ینخفض. في السابق ایضا کان الأمر کذلک. کانت قيمة الأشیاء تزداد وتنخفض بناء علی اسعار الذهب والمسکوکات. إذن الأصالة لیست للنقود التي أصبحت الیوم ورقية، بل الاصالة هي للبضائع واسعارها. ویمکن لهذه النقود ان تصبح کنزا وهو ما نهت عنه تعالیمنا الإسلامية. کما یمکنها ان توظف في مجالات سوف تجنی ارباحا منها.

أما عن النظام المصرفي الغربي فیمکن القول ان الغرب اختار نظام الربا کنهجا للمداولات المالية. الجدیر بالذکر ان التعالیم المسیحية تعارض بشدة النظام المبني علی الربا، لکن مؤخرا تمت المصادقة علی بعض الأقوانین حیث سمحت للحصول علی الربا بنسبة 6 في المائة کحد اقصی. ومهما یکن ان الدین لایعارض جني الأرباح، بشرط ان لاتکون طریقة جني هذه الأرباح مغایرة للتعالیم الدینية. إن الدین ینهی عن الربا، ویؤکد علی إباحة جني الأرباح عبر المشارکة والتمویل والعقود المشروعة الأخری. إذن لابد للمال أن یتداول بین الناس وان یساعد علی خفض نسبة التضخم في المجتمع.

إن قلق الناس في المداولات الاقتصادية في النظام غیر الاسلامي ناتج عن انخفاض قيمة رأس المال بعد فترة من استعادته. في حین انه في النظام المصرفي الخال عن الربا لاتوجد لدینا أزمات مالية ذلک لأن الودائع تتداول في المجالات الاقتصادية.

 

السؤال: بالإضافة إلی کتب الشهید الصدر والشهید مطهري؛ هل توجد لدینا انجازات في هذا المجال وبالتحدید في الدول الإسلامية؟

الجواب: نعم. یوجد لدینا علماء اقتصاد مسلمین في باکستان والهند وبعض الدول العربية کالسعودية والأردن، وغالبیة هؤلاء درسوا في الجامعات الغربية، وهم الیوم یعیشون هناک. ان لهؤلاء آراءهم الخاصة وقاموا ببعض الجهود في هذا المجال. غالبية هؤلاء عملوا علی تأسیس علم اقتصاد اسلامي، فهم یقررون بأننا یمکننا امتلاک اقتصادا اسلامیا من خلال تعدیل فرضیات الاقتصاد الرأس المالي ولتکون ملائمة للتعالیم الاسلامية. أي إذا أکدت الفرضیات الرأس مالية علی أصالة الفرد، نأتي نحن ونؤکد اصالة الفرد والمجتمع علی حد سواء. وفي مقابل تأکید تلک النظریات علی حریة افرد، نؤکد نحن علی حریته إلی جانب حبه للآخرین. فمن خلال هذه الجهود والتعدیلات قام البعض ببذل الجهود لتحویل مفاهیم الاقتصاد الغربي إلی مفاهيم اقصادية اسلامية.

 

السؤال: منذ انتصار الثورة الإسلامية في ایران تم تحدید قوانین خاصة بالاقتصاد اسلامي، أو انها تقرب المفاهیم الاقتصادية من التعاليم الاسلامية؛ برأيکم ما مدی نجاح الجمهورية الإسلامية الایرانية في هذا المجال؟

الجواب: بناء علی خبرتي والتي استمرت 12 عاما من الحضور في مجلس الشوری الاسلامي یمکنني الاجابة علی هذا السوال وربما تکون اجابتي اجابة مناسبة. في البداية أؤکد بأنني لا اتفق تماما مع ما تم طرحه في السؤال. في الحقیقة ان أهم قانون وضع في هذا المجال هو قانون النظام البنکي الخال من الربا والذي صودق عام 1362ش/مارس 1983م. برأيي ان هذا القانون کان قانونا مطورا. بعض الأحیان یتحدث البعض عن ضرورة تعدیل هذا القانون، لکنني من المعارضین لتعدیله، لأنني أخاف من حذفه واسقاطه نتیجة التعدیلات المتواصلة. برأيي ان القوانين الرأس مالية قد اسقطت من النظام البنکي بشکل عام. وکذلک اری بأن نظامنا المصرفي الحالي لایتنساب مع امتلاک نظام بنکي خال من الربا. لذا یجب علینا التحرک والسیر نحو امتلاک مؤسسات تمويلية.

السؤال: مؤخرا نشرت أخبارا عن قرار اتخذه بنک ملي إیران حول اعطاء الحریة للأفراد لتحدید الوجهة التي یفضلون ان تودع اموالهم فيها. یبدو ان هذا الأمر سوف یقربنا من النظام البنکي الإسلامي. ماهو رأيکم؟

الجواب: حتی لو قامت البنوک بذلک وتتوقف عن دفع الأرباح بشکل شهري، ستقوم بدفع الأرباح من الوجهة التي تم ایداع الأموال فيها. وبذلک نکون قد عدنا إلی ما کنا علیه. مهما یکن ان قانون محاربة الربا کان قانونا جیدا. ومؤخرا تم إضافة ثلاثة عقود جدیدة إلی النظام البنکي وذلک في إطار البرنامج الخامس للتنمية. برأيي ان تلک الخطوة کانت ایجابية لکن تنفیذها سیکون من خلال النظام البنکي الرأس المالي. لذا شخصیا اری بأننا وخلافا لما یتم الحدیث عنه حول ضرورة الالتزام بالقوانین الاسلامية، لانهتم بذلک في التطبیق وتنفیذ القرارات.

 

السؤال: کان الشهید مطهري یدلي بآراء حول الاقتصاد الاسلامي من خلال الخطابات التي کان یلقیها هنا وهناک. ماهي ممیزات آراء الشهید مطهري الاقتصادية؟

الجواب: إن الشهید مطهري بشکل عام کان یؤمن بالنظام الاقتصادي. انه کان یری بأن العلم یعتبر أداة لکشف الحقیقة. قد تختلف ممیزات النظام الاقتصادي المتعارف علیها والممیزات التي کان قد رسمها الشهید مطهري، لکنه کان یرکز علی النظام. وغالبية نشاطاته الاقتصادية کانت عبارة عن دراسات نموذجية.  علی سبیل المثال قام الشهید مطهري بالترکیز علی نظرية القيمة لمارکس. کما رکز علی نقد هذه النظرية. وکذلک تطرق کثیرا إلی قضية الربا. ان أحد الحلقات المفقودة في آراء الشهيد مطهري هي انه لم یدلي بآراءه بشکل صریح، لأنه کان یؤمن بالاجتهاد في هذه القضایا. ومهما یکن ان الدراسات التي قام بها الشهید مطهري هي دراسات معمقة، وبعض الأحیان تحتوي آراءه ودراساته علی نظریات جدیدة خاصة به.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.