الثقافة الاسلامیۀ
موقع إسلامي وثقافي الثقافة الاسلامية

كشمير، جرح عمره 70 عاماً

0 295

كان لمنطقة كشمير حكومة ملكية تحت الحماية البريطانية إلى ما قبل استقلال الهند في عام 1947. وأثناء انفصال باكستان عن الهند طالب كلا البلدين بالسيادة على هذه المنطقة، مما أدى إلى نشوب عدة حروب بين البلدين. وفي الوقت الراهن تنشغل الهند وباكستان كقوتين نوويتين في جنوب آسيا، في خلافات وتوترات حول كشمير لأكثر من 70 عاماً بعد الاستقلال.

تسيطر نيودلهي وإسلام أباد اللتان خاضتا الحرب ثلاث مرات بعد الاستقلال، على جزء من كشمير لكنهما يدعيان ملكية المنطقة بأكملها. في الحقيقة، تعتبر كشمير جزءاً من العالم الإسلامي، وفي نظر البعض “فلسطين المجهولة” في العالم الإسلامي.

تبلغ مساحة هذه المنطقة 222 ألف كيلومتر مربع، وهي أكبر من 68 دولة عضواً في الأمم المتحدة من الناحية الجغرافية وأكثر سكاناً من 90 دولة عضواً فيها. احتلت نيودلهي منطقة كشمير في ظل الصمت المنحاز من قبل المؤسسات الدولية والمجتمعات الإسلامية، وبإلغاء المادة 370 من الدستور ، وضعت على جدول أعمالها تغيير النسيج السكاني لهذه المنطقة.

الحالة، موقع كشمير:

كشمير هي منطقة في الهيمالايا، في الجزء الشمالي الغربي من شبه القارة الهندية، وتتألف من جامو وكشمير التابعة للحكومة الهندية، وجيلجيت – بالتيستان وأزاد كشمير التابعة للحكومة الباكستانية، و”أكساي تشين” و”ترانس كاراكورام تراكت” التابعة للصين. هذه المنطقة جبلية بشكل عام وفيها سلسلة جبال كاراكورام التي تضم قمة “K2” ثاني أعلى نقطة على وجه الأرض والعديد من القمم العالية الأخرى.

تعتبر كشمير واحدة من المجالات الرئيسية لنفوذ اللغة الفارسية في آسيا. تبلغ مساحة الجزء الذي تسيطر عليه الهند من جامو وكشمير 101.437كيلومتر مربع وبلغ عدد سكانها أكثر من 12 مليون نسمة في احصاء عام 2011. وعاصمتها الصيفية سرينغار المركز التاريخي للمنطقة، وعاصمتها الشتوية جامو.

تتكون المنطقة التي تسيطر عليها باكستان من أزاد كشمير وعاصمة مظفر أباد ومساحتها 5619 كيلومترا مربعا وولاية وجيلجيت – بالتيستان ومساحتها 72496 كيلومتراً مربعاً. وتبلغ مساحة المناطق غير المأهولة في الغالب الخاضعة للسيطرة الصينية 42685 كيلومترا مربعا. تحاربت الهند وباكستان مراراً للسيطرة على كشمير ، ويسيطر كل من الجارتين الآن على جزء من هذه المنطقة.

عقب حرب عام 1971 بين البلدين يفصل خط “دي فاكتو” الحدودي المعروف باسم “خط السيطرة” هذه المنطقة بين البلدين. فمنذ قرابة 30 عاماً يقوم الانفصاليون المعارضون لحكم الهند في منطقة جامو وكشمير بشن الهجمات وأعمال العنف ضدها.

يتطلب تشريح هذه التحركات دراسات اجتماعية وسياسية، فقد تعرضت كشمير إلى مزيد من الأزمات والتوترات السياسية والأمنية منذ عام 2014. والسبب الرئيسي هو أن حزب بي تشي بي (بهارايتا، جاناتا) ، الذي صار الحزب الحاكم في الهند وكشمير في نفس العام، لم يتمكن من تشكيل حكومة محلية في كشمير واضطر لتشكيل ائتلاف مع حزب الشعب الديمقراطي “محبوبة مفتي” حيث كانت أول حكومة ائتلافية في كشمير وأول حضور لحزب “بي تشي بي” في كشمير.

لدى هذا الحزب موقف متشدد ضد المسلمين ويؤمن بنزع أسلمة الهند. السياسة التي أسسها البريطانيون منذ الاستعمار، لذلك طبق هذه الإجراءات الصارمة والأصولية في كشمير مما أحدث أزمة في المنطقة.

كانت إدارة كشمير تُدار من قبل الأحزاب المحلية المعتدلة، وحتى مؤتمر حرية الذي يشمل حوالي 100 حزباً، عمل دائما بشكل جيد مع الحكومة المحلية. أدت هذه التوترات السياسية بين الأحزاب المعتدلة والمعادية للإسلام في نهاية المطاف إلى استقالة محبوبة مفتي.

في الوقت الراهن، يقوم حاكم كشمير المقرب من حزب بهاراتيا جاناتا في الهند بتطبيق سياسات هذا الحزب المناهضة للإسلام. لذلك يزداد الوضع في كشمير سوءا كل يوم، وهناك عامل آخر يجعل كشمير متأزمة وهو تنفيذ “مبادرة طريق واحد وحزام واحد”. تم الإعلان عن الخطة من قبل الصين عام 2015.  حيث يعبر جزء من المبادرة عبر منطقة أزاد كشمير التي تسيطر عليها باكستان. وقد أثارت هذه القضية قلق الهند كثيراً وقد أعرب مسئولوها مرارا عن معارضتهم لذلك. ويقال إن نيودلهي تسعى لتصعيد التوترات في كشمير لمنع تنفيذ هذه المبادرة.

كشمير من منظور نيودلهي

ألغت حكومة الهند، يوم الاثنين 5 أغسطس 2019 ، المادة 370 من الدستور، حيث تحددت وتشكلت العلاقة بين الحكومة المركزية في الهند وولاية جامو وكشمير من خلال هذه المادة من الدستور الهندي لمدة سبعين عاماً.

أعطت المادة 370 من الدستور الهندي ولاية جامو وكشمير الهندية نوعاً من الحكم الذاتي، بحيث كان لهذه الولاية باستثناء الشؤون الخارجية والدفاع والاتصالات، التي كانت تسيطر عليها الحكومة المركزية في الهند، دستورها المستقل وعلمها ، وكانت حرة في وضع القوانين.

نتيجة لذلك، وبموجب هذا القانون، كان يمكن للحكومة المحلية لجامو وكشمير أن تضع قوانينها الخاصة بشأن الإقامة الدائمة والممتلكات والحقوق الأساسية لمواطنيها، ومنعت هذه القضية الجماعات المتطرفة من شراء العقارات في ولايات هندية أخرى في هذه المنطقة. الانتقال إلى هذه الولاية.

تأثرت العلاقة بين الهند وكشمير التي كانت تعتبر إحدى المناطق ذات الأغلبية المسلمة في الهند، وكانت علاقة متوترة للغاية، بهذه المادة من الدستور الهندي. عارض نارندرا مودي زعيم حزب بهاراتيا جاناتا الوطني الهندي لسنوات المادة 370 من الدستور ، وكان إلغاء هذه المادة أحد الوعود الانتخابية للحزب في الانتخابات السابقة.

تبريرهم هو أنه من أجل توحيد كشمير، من الضروري أن يكون وضع هذه الولاية الهندية هو نفسه كما في المناطق الأخرى. لهذا السبب بعد الفوز الحاسم في الانتخابات العامة والعودة إلى السلطة ، قام السيد مودي بتلك الخطوة دون إضاعة الوقت. يعتبر النقاد هذه الخطوة مرتبطة بالمشاكل الاقتصادية الشديدة والركود التي كانت تواجهه الهند، ويقولون إن هذه الخطوة كانت محاولة من الحكومة لصرف الرأي العام عن المشاكل الاقتصادية.

يعتقد الكثير من الكشميريين أن حزب بهاراتيا جاناتا الهندي يعتزم تغيير الصورة الديموغرافية للأغلبية المسلمة في هذه المنطقة من خلال السماح بشراء العقارات عبر غير الكشميريين، على الرغم من ان إعلان وزير الداخلية الهندي أميت شاه لهذا القرار  في البرلمان كان غير متوقعاً بالنسبة لمعظم الهنود، لكن كان ينبغي لحكومة نيودلهي ان تمهد الطريق لمثل هذا القرار، حيث تتماشى هذه الخطوة أيضاً مع رغبة السيد مودي القوية في إظهار أن حزبه يتخذ موقفاً متشددا تجاه مسلمي كشمير.

لذلك لن يكون لكشمير دستور منفصل ويجب أن تتبع دستور الحكومة مثل الولايات الهندية الأخرى. وسيتم تطبيق جميع القوانين الهندية في كشمير الخاضعة للحكم الهندي ويمكن للمواطنين الهنود من جميع الولايات شراء المنازل والعقارات في كشمير. وتقول الحكومة إن القرار سيؤدي إلى ازدهار المنطقة.

التطورات الأخيرة في كشمير من منظور إسلام أباد

لطالما دعت باكستان منذ القدم بإصرار إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي التي اعتبر بموجبها تعيين مصير كشمير حقاً لسكان هذه المنطقة وإجراء استفتاء. وقال مسؤولون باكستانيون إنهم يعتزمون زيادة الضغط الدولي على نيودلهي بعد أن فرضت الحكومة الهندية قيوداً جديدة على جامو وكشمير. وأجرى مسؤولو إسلام أباد محادثات ومشاورات عديدة مع قادة العالم للتوسط بشأن كشمير وفقا لقرارات الأمم المتحدة.

وقال وزير الخارجية الباكستاني خلال مؤتمر صحفي في إسلام أباد عند عودته من زيارة طارئة للصين، إن “إسلام أباد لا تبحث عن حرب، لكن ليس أمامها خيار سوى اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لحل النزاع في كشمير ، وقد حصلت باكستان على دعم الصين لتحقيق هذا الغرض”.

بالطبع، في غضون ذلك، حولت أمريكا والصين كشمير إلى ساحة لعرض قوتهما السياسية، وأعلن كل منهما إن لديه القدرة على التوسط. حيث زعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لواشنطن إن رئيس الوزراء الهندي طلب منه التوسط في حل نزاع كشمير، وهو ما رفضته نيودلهي صراحة.

تعتقد إسلام أباد أن اللاعبين الدوليين، وخاصة أمريكا والصين، يمكنهم لعب دور في حل المشكلات بين باكستان والهند. وفي الوقت نفسه يعتقد السياسيون أن سلوك البيت الأبيض وخاصة دونالد ترامب تجاه التوترات في جنوب آسيا هو سلوك تمييزي، ولهذا السبب لا تصلح واشنطن للوساطة.

لطالما اتخذ الزعماء السياسيون والدينيون الباكستانيون موقفاً موحداً بشأن قضية كشمير، على الرغم من الخلافات الداخلية، وفي هذه الفترة ، علقوا على رفض الهند منح امتيازات خاصة لمنطقة جامو وكشمير، بالقول إن باكستان لن تسمح أبدا بأن تصبح كشمير كفلسطين أو ايجاد إسرائيل أخرى في المنطقة.

وكتبت مجلة فورين بوليسي عن التطورات في كشمير: “اقتراح دونالد ترامب للتوسط في نزاع كشمير والتقدم السريع في محادثات السلام بين طالبان وأمريكا هما تطوران ربما دفعا الحكومة الهندية إلى اتخاذ بعض إجراءات. اذا أن كل من هذه التطورات تعزز موقف باكستان.

ضرورة الإعلان عن مواقف محددة من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه كشمير

لم يُظهر الجهاز الدبلوماسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية قدرا كبيرا من التحرك والعمل تجاه اعتداء نيودلهي على كشمير، واكتفى فقط بدعوة الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس، بينما أن مواقف قائد الثورة بشأن كشمير واضحة تماماً على عكس موقف الجهاز الدبلوماسي الإيراني.

يعتبر سماحته قضية كشمير قضية “إنسانية” و”إسلامية” بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث يتعرض سكان هذه المنطقة المسلمون للظلم فيها علانية. ويقول “لقد أعلنا دائما عن استنكارنا للحكومة الهندية في مختلف المحافل لما يحدث لمسلمي كشمير، وسنواصل القيام بذلك”.

أثر نفوذ الثقافة والأدب الفارسي في كشمير على مختلف مفاصل حياة الناس، بدءاً من التاريخ والسياسة وصولاً إلى الشعر والتصوف والفن. شهداء مثل: “مير سيد علي همداني” الملقب بـ علي ثاني و ” محطم أصنام كشمير” الذي يسميه العلامة إقبال بـ “سيد العجم”. كما قيل أن “الكشميريون يقرؤون قصائد حافظ ويستأنسون بها”.

تحظى كشمير باعتبارها “العمق الاستراتيجي للإسلام في شبه القارة الهندية” بأهمية بالغة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لدرجة أنها تسمى “إيران الصغيرة”. كما أن كشمير تتمتع بأهمية استراتيجية (جيوسياسية) في قلب شبه القارة الهندية والصين وأفغانستان. لذلك، سيستمر الصراع على فرض السلطة على هذه المنطقة الحساسة والمتوترة، وأي احتمال لوقوع الحرب سوف يلحق ضرراً لا يمكن إصلاحه بالعالم الإسلامي.

نظرا لقرب كشمير من مناطق نفوذ المتطرفين الباكستانيين والأفغان والعرب بدأت الخطط والأنشطة الإرهابية الواسعة والانتحارية والتكفيرية في هذه المنطقة من قبل مجموعات: الوهابية والسلفية، المدعومون من عملاء الغرب والصهيونية، بما في ذلك نظام آل سعود. في الأساس، تعود جميع المشاكل في شبه القارة الهندية إلى السياسة البريطانية المتمثلة في نزع أسلمة شبه القارة الهندية، ويمكن أيضاً تفسير تفكك شبه القارة الهندية في هذا الصدد.

 

 

النتيجة:

بموجب الاتفاقية البريطانية عام 1947، كان من المقرر تقسيم شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان، وضم كشمير المسلمة إلى باكستان. تم تنفيذ هذه الاتفاقية إلى حد ما، لكن حدثت مؤامرة لمنع ضم كشمير بالكامل إلى باكستان.

وبعد هذا الحدث اندلعت حرب شرسة بين الهند وباكستان عام 1948، حيث طرحت أزمة كشمير في النهاية في الأمم المتحدة. وأصدرت هذه المنظمة قرارا عام 1948 يدعو فيه الهند وباكستان إلى إجراء استفتاء بين أبناء منطقة كشمير الذين يرغبون في الانضمام إلى الهند أو باكستان.

ونظراً للدعم البريطاني لسياسة نزع أسلمة شبه القارة الهندية لم يتم تنفيذ هذا القرار بعد. كما يعارض الهنود بشدة أي تدخل أجنبي في كشمير. لأنهم يعتبرون هذه المنطقة منطقة استراتيجية للغاية بالنسبة لهم. وهنا يمكن القول أن أزمة كشمير هي نتاج المحور الرئيسي للسياسة البريطانية القائمة على نزع أسلمة شبه القارة الهندية.

أصبحت قضية كشمير معقدة للغاية لدرجة أنه حتى الأحزاب السياسية في باكستان أو الهند التي تسعى إلى حل المشكلة والتحلي بالمرونة بشأن هذه القضية تتهم بالخيانة في بلدانهما.

لذلك أصبحت كشمير خطاً أحمر لا تجرؤ التيارات الداخلية على التحلي بالمرونة وحل المشكلة خوفاً من عدم الحصول على أصوات في الانتخابات. وما دامت قضية كشمير عصية على الحل، فمن غير المرجح أن تعود العلاقات الباكستانية الهندية إلى طبيعتها، وحل مشكلة العالم الإسلامي مع المتطرفين الهنود.

التزمت معظم الدول الإسلامية الصمت بسبب تبعيتها والتفكير بمصلحتها. لذلك إن الحل الأساسي لشبه القارة الهندية يكمن في الوحدة الاجتماعية وسياسة التعايش السلمي والعودة إلى الهوية الإسلامية لعموم الهند.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.