الثقافة الاسلامیۀ
موقع إسلامي وثقافي الثقافة الاسلامية

العراق.. تعديل الدستور ممكن لكن بتوقيت مختلف!

0 339

محمد صالح صدقيان

تحظى التطورات العراقية بإهتمام سياسي بالغ، إقليمياً ودولياً، لا سيما في ضوء الأحداث التي شهدتها بغداد ومدن أخرى في الأيام والأسابيع الماضية وما يمكن أن يكون لها من انعكاسات علی مسار عملية سياسية بدأت في العام 2003.

هذه الأحداث اعتبرها البعض نذير حرب اهلية شيعية ـ شيعية مما استوجب من الفعاليات السياسية والدينية العمل علی تطويق الخلافات وإرساء قواعد جديدة للتعايش والعمل السياسي والتفاهم، من شأنها أن تُوفر للعراق الأمن والاستقرار.

ومنذ اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في تشرين الاول/اكتوبر 2021 حتى الآن، لم تستطع الكتل السياسية تشكيل الحكومة العراقية العتيدة لأسباب لا اريد الخوض في تفاصيلها، غير أن هذا المسار أفضى إلى قرار إتخذه زعيم “التيار الصدري” السيد مقتدى الصدر بالانسحاب من العملية السياسية علی خلفية البيان الذي اصدره المرجع الديني كاظم الحائري الذي يعتبر فقيه هذا التيار استناداً إلى وصية السيد محمد محمد صادق الصدر والد السيد مقتدی. مسار انتهی أيضاً بمواجهة عسكرية في المنطقة الخضراء تدخل علی اثرها السيد مقتدی الصدر بموقف مسؤول ووطني عبر الأمر باخلاء المنطقة وإنهاء المواجهة العسكرية، وهو ما حدث بالفعل، لكن سرعان ما شهدنا إرتدادات لهذه المواجهة في مدينة البصرة، الأمر الذي يطرح السؤال الآتي: هل انتهت الأحداث فعلاً أم انها يُمكن تندلع مُجدداً بعد إحياء مراسم ذكری اربعينية الامام الحسين التي تصادف في السابع عشر من أيلول/سبتمبر الحالي؟

السيد مقتدی الصدر طالب بإنهاء الفساد والمحاصصة والطائفية السياسية وضرورة اجراء تعديل علی الدستور الذي تمت صياغته عام 2004، وهي مطالب تحظى بإجماع العراقيين لان الواقع السياسي الراهن، بكل ما يتضمنه من عورات وثغرات، جعل العملية السياسية كـ”الـبطة العرجاء”. لكن المؤسف أننا لم نسمع حتى الآن بالوصفة الكفيلة بتحقيق تلك المطالب المحقة ووضعها موضع التنفيذ. فالبعض يری في انحلال البرلمان علاجاً؛ والبعض الآخر يعتقد بوجوب ابتعاد التيارات والاحزاب عن المشهد وإفساح المجال أمام شخصيات جديدة علی قاعدة أن “المُجرّب لا يُجرّب”؛ وثمة رأي ثالث يعتقد ان التدخلات الخارجية هي السبب فيما يری رابع ان الدستور الذي تمت صياغته في ظل الاحتلال الامريكي يحمل في طياته الغاماً قابلة للانفجار في أي لحظة.

هكذا هو المشهد العراقي بإختصار. خلاف علی الاسباب وعدم إتفاق علی المُخرجات التي من شأنها تحقيق اصلاحات مقبولة من جميع المكونات السياسية والاجتماعية والدينية والقومية.

هنا لا بد من التوقف عند مقاربتين مهمتين: الاولی، تدعو إلى حل البرلمان؛ والثانية، إلى تعديل الدستور، ذلك أن هاتين الإشكاليتين هما محور الجدل الحاصل الآن في العراق.

في ما يخص البرلمان الذي التأم في يناير/كانون الثاني الماضي علی اساس نتائج الانتخابات التي عارضها “الاطار التنسيقي” المتشكل من الاحزاب والكتل السياسية الشيعية؛ وايدها “التيار الصدري” لأنها اعطته الأكثرية البرلمانية؛ لاحظنا كيف انقلب الامر بعد ذلك ليطالب التيار الصدري بحل البرلمان مقابل إصرار “الاطار” على عدم تطيير مجلس النواب بعد انسحاب نواب التيار الصدري منه.

لندعْ جانباً إشكالية قانونية حل البرلمان ومن يحق له ذلك وكيف ومتی؟ لكن لنفترض جدلاً أنه تم حل البرلمان وأُجريت انتخابات نيابية مبكر؛ ما الذي سيتغير؟ كيف ستكون النتائج؟ ومن الرابح ومن الخاسر؟ كل المؤشرات تفيد ان النتائج لن تتغير لان القواعد الشعبية الانتخابية مغلقة علی الجميع اللهم الا اذا تغيرت طبيعة الماكينات الانتخابية أو القانون الإنتخابي. لكن بشكل عام ستبقی النتائج في اطار “+ -” اكثر او اقل لهذه القائمة او تلك ولذلك لن تُغير شيئاً جوهرياً في صلب المعادلة السياسية او البرلمانية في ظل القوانين والوقائع السائدة حالياً.

اما في ما يخص الدستور؛ فالجميع يعلم ان هذا الدستور تم تفصيله في العام 2004 علی مقاسات طرفين متضررين من الانظمة السياسية التي حكمت العراق في العقود السياسية الماضية وهم الكورد والشيعة؛ وبذلك حقّق الكورد ما يريدونه في الدستور وهي “الفيدرالية السياسية” فيما حقّق الشيعة ما يكفل لهم عدم عودة الاستبداد والديكتاتورية بإرساء نظام ديموقراطي برلماني يستند إلی “الطائفية السياسية”.

اذا ما استثنينا الكورد، فان باقي الاوساط تُجمع علی وجود الغام عديدة احتواها دستور 2004 من هيمنة “الطائفية السياسية” ومشاكل الاثنيات والاديان والطوائف واحلال “المكونات” بدلا من “المواطنة” اضافة الی “الفيدرالية” التي يعتقد البعض أنها “مشروع تقسيمي”. هذا الدستور جرت صياغته استنادا لمبدأ “التوافقية السياسية”؛ ولا اعتقد ان احدا يستطيع اجراء تعديل عليه ما لم يستند إلى القاعدة إياها لسبب بسيط أن الاكراد يعارضون اي تعديل دستوري لا يضمن لهم حقهم في “الفيدرالية” والمسار الذي يؤدي الی تشكيل الدولة الكردية المستقلة.

عندما اتحدث عن الدستور واستحالة تعديله في الظروف الراهنة فلا يعني ذلك انه “كتاب مقدس” لا يمكن المساس به، بل لان هكذا خطوة تحتاج إلى مناخ توافقي غير متوفر في الظروف الراهنة المتشنجة. ان عملية تطوير الدستور تحتاج الی “بيئة سالمة” والی “ثقة متبادلة” بين جميع المناطق والمذاهب والقوميات والی تفاهم سياسي ـ مجتمعي. هذه المناخات لا يُمكن ان تتحقق الا تحت قبة البرلمان بحضور نواب الكتل المختلفة تعزيزاً للثقة بين كل المكونات العراقية. اما ان يتم تكرار المكررات والمطالبة بالذهاب الی انتخابات مبكرة فلا يؤدي سوی إلى المزيد من التشتت والتشرذم والی عدم وضوح المسار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.