الثقافة الاسلامیۀ
موقع إسلامي وثقافي الثقافة الاسلامية

جغرافية الحضارة الإسلامية وامکانية تغییر تاريخ العالم

0 762

جغرافية الحضارة الإسلامية وامکانية تغییر تاريخ العالم

(الأسس المعرفية والتعریف بتغییرات هندسة القوة العالمية)

__________

*في الرقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية تکونت أمة ذات قيم ومبادئ مشترکة تسمی الأمة الإسلامية.

* جغرافية الحضارة الإسلامية تبدأ من الجانب الغربي لسلسة جبال هيماليا وهند-کیش في اسیا وتتسع حتی المحیط الأطلسي وجزائر الکناري وجبال البرانس في شبه الجزيرة الایبيرية.

*تجزئة الدول أدت إلی صیاغة وثائق تاريخية تمهد وتعزز قضية تقسيم الرقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية.

*قضية التجزئة تؤدي إلی ایجاد خط انتاج غیر مکتمل وتابع للغرب؛ وخطوط الانتاج هذه تتوزع في کافة ارجاء جغرافية الحضارة الإسلامية.

* المسلمون في الرقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية هم أمة واحدة لأنهم یتمتلکون کافة مقومات الأمة الواحدة، لکنهم یعانون اربعة أزمات أساسية وهي: أزمة الهوية، وأزمة المشارکة وأزمة الشرعة وأزمة العدالة.
*العلامة علي أکبر دهخدا یعتقد ان مصطلح الشعب یطلق علی مجموعة من الأفراد الذین یعیشون علی اراض محددة ویتبعون لحکومة واحدة.
*الدکتور عبدالحمید ابوالحمد ان العناصر المکونة للشعب الواحد هي المشترکات اللغوية والثقافية والتاريخية إلی جانب الأراضي المشترکة.
انتوني اسمیث: ان الشعب هو عبارة عن جماعات بشرية ذات اراضي وثقافة واساطیر وذکریات تاريخية مشترکة، کما ان لهذه الجماعة البشرية مسؤوليات وحقوق مشترکة.

*جغرافية العالم الإسلامي تمتلک أکثر من 70 بالمئة من عناصر المواطنة.

*الدور التاريخي للهوية الوطنية یتأثر بذات التأريخ لکن التصور الذهني عن هذه الهوية يعني فهم الشعب لنفسه الذي یتأثر بنوع المرويات عنها.

*التمسک بالماضي بشکل خيالي ومفرط يعني جعل الهوية الوطنية ضحية أمام القوی العالمية المهيمنة.

*الهوية الوطنية هي عملية تاريخية لابد من معرفتها واثبات صحتها لکي یتحقق التضامن والأمن والاقتدار الوطني.

*الباحثون في الغرب یرون بأن دور الاساطیر والقصص الخیالية في تکوین الهوية أکبر من دور النشاطات التاريخية.
*الهوية الوطنية قضية طویلة عریضة تتکون في عملية التعلم الاجتماعي.

*للهویات مستویات ومراحل مختلفة.

*عندما یری الأفراد بأن هویاتهم لا تلبي احتیاجاتهم ولاتضمن حقوقهم، سیبتعدون عنها ولایرغبون بالانتماء لها.

*الهوية الوطنية تأخذ هي التي ستجیب علی الأسئلة المتعلقة بالماضي والعصر الحالي والمستقبل، لذا فانها تلعب دورا کبیرا في ومحوریا في تحدید مصیر الشعوب.

*لاشک ان الهوية الوطنية تتجلی في بيئة جغرافية-تاريخية، لکنها دون شک لدیها صلة وثيقة مع الثقافة

*بعض الأحیان تقوم القوی الاستعمارية بتعریف الهوية المستعمرة؛ بدورها تقوم الشعوب المستعمرة بالاعتراف والانتماء إلی الهوية التي حددتها تلک القوی.
*
الأفکار القومية التي انتشرت في ایران والعالم العربي وترکیا بعد الحرب العالمية الأولی وانهیار الامبراطورية العثمانية، وکذلک بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة شخصیات سیاسية کمصطفی آتاتورک ورضاخان ومیشل عفلق و..الخ، فنتيجة لجهود هؤلاء أصبح الفکر القومي هو الفکر السائد في الدول الإسلامية.
*بعض المفکرين الاسلاميين کسید قطب في مصر، ومودودي واقبال لاهوري في باکستان، والسید محمد باقر الصدر في العراق، والدکتور علي شريعتي، وامام موسی صدر والإمام الخميني في ایران، کانوا یعملون علی احیاء الحضارة الإسلامية.

*الدکتور سریع القلم: لو نظرنا إلی العالم بنظرة واقعية لتبين لنا بأن العالم هو عبارة عن بيئة غربية یحدد الغرب قواعدها.

*البعض سعی إلی المزج بین الحضارة الإیرانية القديمة والثقافة الإیرانية الإسلامية بهدف خلق ثقافة مرکبة.
*المزج بين الأساطیر التاريخية والتاريخ الإسلامي في مختلف بقاع العالم سيؤدي إلی خلق بيئة مناسبة لتمزیق الهوية الإسلامية، کما انه لایؤثر علی تعزیز مبادئ الهوية والوحدة والقدرات الوطنية.
*جغرافية الحضارة الإسلامية تفککت وانقسمت إلی عشرات الدول، وسبب ذلک هو أزمة الهوية إلی جانب أزمة عدم شرعية الأنظمة والحکومات.

* إن احیاء الحضارة الإسلامية إلی جانب تجدید الأمة الإسلامية في جغرافية الحضارة الإسلامية، سيؤديان إلی خلق قوة أو محور جدید في الجزیرة العالمية.

_________

1-الملخص

إن الرقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية التي تبدأ من الجانب الغربي لسلسة جبال هيماليا وهند-کیش في اسیا وتتسع حتی المحیط الأطلسي وجزائر الکناري وجبال البرانس في شبه الجزيرة الایبيرية؛ ضمت -علی مر التاريخ- شعوبا وقبائل اصبحوا أمة ذات قيم ومبادئ مشترکة لو تجاوزت مرحلة الوعي التاريخي یمکنها تغییر مجری التاريخ وبالتالي السیطرة علی العالم بأکمله.

القوی الاستعمارية ومنذ زمن بعید عملت علی تجزئة وتقسيم هذه الرقعة عبر ایجاد هویات مزيفة داخل المجتمعات الإسلامية بهدف مواجهة الأمة الإسلامية ومنعها من التقدم والتجدد والنهوض، وعلیه فان السبیل الوحید لنیل الحرية والنهوض من جدید هو معرفة الذات، فذلک سيمکن هذه الأمة من التحول إلی مرکزية العالم کما سیحولها إلی القوة الأولی في العالم.  

 

2-أهداف البحث

إن أهداف هذا البحث تتلخص في تحدید وتبيين میزات الرقعة الجعغرافية للحضارة الإسلامية، کون هذه المیزات تشکل مقدمة وارضية مناسبة للقیام بتغییرات تاريخية مهمة.

 

 3-المقدمة

في القرون العشرة الأخيرة مر العالم الإسلامي بمرحلة الجمود-ولیس التوقف- وعدم التقدم. في القرون الأخيرة، مثلت کل من الحکومة الصفوية بوصفها قطبا شيعيا، والامبراطورية العثمانية بوصفها قطبا سنيا، النمط والنظرة السیاسية للإسلام. إن ظهور هذين النمطين في الحکم ثم سقوطهما کان بمثابة آخر مراحل صمود الانسان المسلم في مواجهة الانسان الغربي القادم من اوروبا ویرید فرض سیاساتها بکافة الوسائل والسبل الوحشية والدموية.

إن جغرافية الحضارة الإسلامية التي تبدأ من الجانب الغربي لسلسة جبال هيماليا وهند-کیش في اسیا وتتسع حتی المحیط الأطلسي وجزائر الکناري وجبال البرانس في شبه الجزيرة الایبيرية؛ تصدعت بعد سقوط بني امية وهروب من تبقی من هذه السلالة إلی شبه الجزيرة الایبيرية. ثم انها انکسرت بعد الحروب الصليبية وفي النهاية انقسمت إلی قسمين بعد قيام دولة الصفويين ودولة العثمانيين. وبعد تجزئة هذين الامبراطوريتين، تففت هذه الجغرافية حیث خرجت منها العشرات من الشرکات والأنظمة التابعة للقوی الغربية وأقيمت تحت عنوان دولة القومية أو الدولة الأمة(Nation State) وبذلک قام البعض بالثناء علی الانسان الغربي وذکروا الدمار الذي خلفه هذا الانسان بالمدح ونعتوه بالعصر الجدید وعصر الحداثة.

إن السیاسية التي اتبعها الغرب في العالم الإسلامي تمحورت حول تجزئة الدول تقسيمها. إن هذه السیاسة أدت إلی تفتيت الدول الإسلامية وظهور منظمات وجهات سیاسية جدیدة واحدة تلو الأخری. إن المنظمات والجهات الحديثة الظهور لیس لها علاقات وثيقة مع ماضيها وتاريخها لکنها في المقابل تتمتع بعلاقات وثيقة مع القوی الغربية، وفي بعض الأحیان یتمرکز عملها ونشاطها علی تحقيق المصالح الغربية.

شهدت فترة ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، تأسيس العشرات من الدول في الرقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية؛ دول تأسست خدمة للمصالح الغربية. فقد مارست القوی الغربية سیاسة العصا والجزرة للسیطرة علی الدول الجدیدة. إلی جانب ذلک، قامت القوی الغربية بتأسيس الکیان الصهیوني في المنطقة وبذلک دقت المسمار الأخیر في تابوت الحضارة الإسلامية وسارت بها نحو مقبرة تاريخية لدفنا وطمس معالمها نهائيا.

نتيجة لسیاسة تجزئة الدول التي اتبعها الغرب؛ ظهرت لغات وتفرعات جدیدة للغات الأصيلة الأمر الذي ساهم في ابعاد الشعوب الإسلامية عن خلفياتها التاريخية والحضارية. في شبه الجزيرة الایربيرية تم المزج بين اللغة العربية واللغة اللاتينية ما أدی إلي ولادة وظهور اللغة الاسبانية. في الحقيقة ان اللغة اللاتينية تزوجت اللغة العربية ثم انجبا طفلا سمي اللغة الاسبانية.

لقد تکرر هذا الزواج في اسیا بصورة أخری؛ فاللغة اللاتينية تزوجت اللغة الفارسية وانجبا طفلا سمي اللغة الاردية، وبذلک طويت صفحة اللغة الفارسية بوصفها اللغة الأصلية في شبه القارة الهندية. ولایخفی علی أحد بأن ان اللغات التي خرجت من رحم اللغات الفارسية في الحقيقة خرجت من داخل المعسکرات العسکرية في شبه القارة الهندية!

في شبه جزيرة الاناضول، منعت الکتابة برسم الخط الذي کان جلال الدين الرومي یکتب اشعاره به. بتوجیهات من قائد عسکري يوناني(اليونان=الاغريق) حل رسم الخط اللاتيني محل رسم الخط القرآني. إن هذا القائد کان یعتبر نفسه ترکيا وسمی نفسه أتاتورك لکنه لم يکن من أصل ترکي! انه من مقدونيا قصد رومیا لتحویلها إلی ترکيا، ثم یقوم بتحویل المسلمین في رومیا إلی أتراک، وبطبيعة الحال يقوم بتغییر معتقدات أهالي هذه المنطقة بصورة تخدم الانسان القادم إلی المنطقة من اوروبا الغربية.

في الجانب الآخر لمنطقة غرب اسیا، حل رسم الخط الروسي محل الرسم القرآني. ان عملية التجزئة الثقافية لم تختصر علی هذا الحد بل تجاوزت أبعد الحدود لتشمل العمل علی قطع الصلات بين اللغات المشترکة في العالم الإسلامية. لقد عمل الغرب علی محو الحروف المشترکة في العالم الإسلامي. أما اللغات والمصطلحات المشترکة عمل علی صیاغتها بصور مختلفة ثم ترویجها في مناطق مختلفة من العالم الإسلامية. إن الهدف الرئیسي من التجزئة الثقافية هو احداث انقطاع بين المسلمين والتاريخ والموروث المشترک للشعوب الإسلامية.

من جهة أخری، أدت التجزئة المذهبية إلی ظهور مذاهب وفرق دينية جدیدة عززت الصراع وعمقت الخلافات بينم اتباع المذاهب الدينية القديمة. بغض النظر عن المذاهب التي ظهرت في فترة دولة العباسيين حیث کانوا یمارسون القوة الناعمة لاستهداف الاسلام الأصیل؛ ظهرت مذاهب جدید في القرون الأخیرة في مناطق مختلفة من ایران والهند والدول العربية ومناطق أخری من العالم الإسلامي. ان هذه المذاهب لعب دورا فعالا في التجزئة المذهبية في العالم الإسلامي. إن هذه المذاهب مدعومة من قبل القوی الغربية، لأنها تعتبر حواجز منيعة(تابعة للغرب) لمواجهة المسلمين أمام الهيمنة الغربية.

إن تجزئة الدول(من المنظار التاريخي) أدت إلی صیاغة وثائق تاريخية تمهد وتعزز قضية تقسيم الرقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية. وفقا لهذه الوثائق المزيفة، ان کافة المناطق الإسلامية کانت أکثر ازدهارا قبل مجئ الإسلام. ان هذه الوثائق ترکز بعناية واهتمام علی فترات تاريخية محددة؛ علی سبیل عصر الرعامسة(الرمسيسيون) في مصر، وکلدة في عصر الأشوريين، وعصر اللخميين والساسانيين في ایران. ان هذه الوثائق تحاول ایضا تحسین صورة ابولهب وابوسفيان للانسان العربي المسلم حیث تظهر هؤلاء أعلی من النبي(ص) مجدا وعزا. هذا هو السبب الذي جعل اسم النبي الکريم يغيب عن شوارع مکة المکرمة حتی عام 1982م، حیث کان سوق مکة یحمل عنوان ابوسفيان، وأکبر شوارعها کان یحمل ابولهب.

أما تاريخ الروم الشرقية وبیزنطة في شبه جزيرة الاناضول تم تجاهله اقتضاء لمصالح الغرب ومآربه السیاسية. ان الغرب لایرید الاعتراف بالحقيقية التي تؤکد اعتناق الرومان للإسلام.

مهما یکن من أمر ان الاستراتيجية المتبعة حالیا في صياغة التاريخ وکتابته، هي العمل علی اضعاف الذاکرة التاريخية للشعوب الإسلامية عبر الترويج للاساطیر والقصص الخرافية أو العمل علی احیاء ذاکرة تاريخية بعيدة.

إن قضية التجزئة تؤدي إلی ایجاد خط انتاج غیر مکتمل وتابع للغرب؛ وخطوط الانتاج هذه تتوزع في کافة ارجاء جغرافية الحضارة الإسلامية. کما تکون هذه الخطوط بمشارکة القوی غربية وتخدم مصالحها، في حین ان العالم الإسلامي لدیه القدرة علی انشاء خطوط انتاج وتوزیع واستهلاک تؤدي إلی التنمية والتقدم الاقتصادي.

 إن بعض الأحداث والتطورات التي شهدها العالم الإسلامي کاتجزئة السیاسية والثقافية والاقتصادية؛ جعلت هذا العالم یعاني من اربعة أزمات اساسية وهي: أزمة الهوية، وأزمة الشرعية، وأزمة عدم المشارکة الاجتماعية، وأزمة العدالة. إن هذه الأزمات أدت إلی ان المسلمين -خاصة الذين یقطنون في جغرافة الحضارة الإسلامية- لایشعرون بأن المسلمين جميعهم شعب واحد لابد لهم من العمل الموحد لتقریر مصیرهم وتعزیز مکانتهم وتحديد دورهم في التاريخ البشري.

 

4-الأزمات التي یعاني منها المسلمون في الرقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية

المسلمون في الرقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية هم أمة واحدة لأنهم یتمتلکون کافة مقومات الأمة الواحدة، لکنهم یعانون اربعة أزمات أساسية وهي: أزمة الهوية، وأزمة المشارکة وأزمة الشرعة وأزمة العدالة.

1-4 الأزمات الأربعة

من بین الأزمات الأربعة التي یعاني منها العالم الإسلامي، کانت أزمة الهوية هي أهم الأزمات التي عانت منها إیران قبل انتصار الثورة إسلامية عام 1979م.

2-4 أزمة الهوية

إن أزمة الهوية تظهر عندما یکون الشخص(والمجتمع) غیر قادر علی معرفة جذره التاريخية ولافهم هويته الوطنية. إن غیاب الفهم والوعي تجاه الهوية الوطنية ناتج عن العجز الاجتماعي داخل الثقافة الواحدة وضعف النظام السیاسي الحاکم إلی جانب التدخلات الأجنبية. نظرا لأهمية الموضوع وحساسیته، لابد من العمل علی تعریف الأفراد بهویتهم وقیمهم الوطنية ومن ثم تعزیز هذه القيم.

1-2-4- مفهوم الأمة

لقد رودت مفردة الملة بمعنی الدين والمذهب والشريعة. في الأدب الفارسي ایضا وردت في نفس المفهوم الذي يدل علی الديانة والشريعة.

الشاعر الإیراني فرخي یزدي استخدمها بمعنی الشعب.

الشاعر منوتشهري استخدمها لتدل علی مجموعة من الأفراد الذين ینسبون إلی الرسول(ص).

الشاعر عنصر استخدمها بمعنی الشعب والجماعة الواحدة.

الشاعر ناصرخسرو استخدمها للدلالة علی اتباع شريعة النبي محمد(ص).

الشاعر سوزني استخدم الملة للدلالة علی الدیانة والشريعة بشکل عام.

وجاء في تاريخ غازان: … وما ان دخل في الدين الإسلامي وأصبح جزءا من ملة النبي محمد والدين الحنفي….

یظهر مما تقدم ان مفردة الملة استخدمت بمعنی الدينانة والشريعة، والمذهب.

المعنی الآخر الذي یفهم من الملة هو مجموعة من البشر الذين یعتنق کافة أفرادها ديانة أو شريعة واحدة. في هذا المفهوم، المراد انتساب الأفراد لديانة محددة. هذا هو المعنی الذي استخدمه العلامة اکبر دهخدا في قاموسه نقلا عن تاريخ غازان. فمن المعاني اللغوية لکلمة الملة هو المجموعة؛ أي مجموعة من البشر الذين ینتسبون إلی دیانة واحدة.

يقول العلامة دهخدا: الملة/ الشعب هم مجموعة من الأفراد الذين یعیشون في رقعة جغرافية محددة ویتبعون لنظام سیاسي واحد. ویضیف موضحا: مجموعة من الأفراد الذين یتمیزون بخصائص مشترکة کالدين والعرق واللغة وخلفية تاريخية وفکرية مشترکة بحیث تؤدي تلک الخصائص إلی التعایش والعلاقة المشترکة. ویضیف: في الفقه، استخدم مصطلح الأمة بالمعنی الذي ذکرناه. یقال ان وحدة الاراضي والوحدة العرقية و..الخ لم تکن من العناصر الرئيسية للأمة بل الأهم هو الانتساب لشريعة واحدة ومحددة.

 

2-2-4 المعنى الاصطلاحي للأمة في العلوم السیاسية

جاء في کتاب عبدالحميد ابوالحمد في کتاب مباني علم السیاسة: إن الأمة بمفهومها الحالي وبوصفها ظاهرة تاريخية وسياسية ظهرت لأول مرة في أوروبا في مرحلة من التاريخ – تقريبًا مع نمو البرجوازية الصناعية – أما الحكومة تلعب دورها كحارس وراعي للمصالح الوطنية وفقا للقانون وعبر مؤسسات ذات هيکلية منظمة…

وحسب رأي الکثیر من الباحثین ان أهم العناصر المکونة للأمة بشکل عام هي اللغة المشترکة والاراض والثقافة والتاريخ المشترک، ویطلق علیها عناصر لاارادية لأن الفرد لیس له أي دور في اختیارها أو الانتساب لها.

یری بعض المفکرین ان عنصر الجنسية هو عنصر ارادي وهو یشتمل علی حس انتماء الفرد لمجتمع ما، والوعي بضرورة التضامن مع حق الأفراد(في مجتمعه) في تقریر المصیر. إن العناصر اللاارادية تعود للمکتب الالماني والعناصر الارادية للمکتب الفرنسي.

یری رسول جعفريان وهو عضو مرکز الدراسات والبحوث الإسلامية بجامعة الأبحاث والدراسات الثقافية، یری ان النعاصر المکونة للهوية الوطنية هي العامل الجغرافي، والقرابة والعرق، والقومية والقبيلة والأعراف والمعتقدات الفکرية والدينية والاخلاقية والاجتماعية.

قسم آخر من الباحثين یعتبرون عناصر العرق والجغرافية والتاريخ بمثابة الشکل الخارجي للألة، أما العناصر الأخری أي الفکر والمعتقد والثقافة فهي بمثابة محتوی الثقافة. وبشکل عام یعتبرون ما یتبقی من عناصر کاللغة والخط والعرق والتقاليد والأعراف الاجتماعية ووحدة الاراضية وسلامتها فهي العناصر التي یمکن من خلالها معرفة الهوية الوطنية.

یری أنتوني سمیث ان الشعب هو عبارة عن جماعات بشرية ذات اراضي وثقافة واساطیر وذکریات تاريخية مشترکة، کما ان لهذه الجماعة البشرية مسؤوليات وحقوق مشترکة.

يفهم من هذا الکلام بأن العناصر المکونة للشعب تنقسم إلی قسمین: القسم الأول یشتمل علی العناصر المرئية والقسم الثاني یشتمل علی العناصر الذهنية. عنصر الأرض یتي ضمن القسم الأول، لکن العناصر الأخری أي الاساطیر والذکریات والمعتقدات والثقافة کلها تدخل في القسم الثاني.

بحسب رأي انتوني سمیث، یبدو ان الجوانب العقلية والدينية تعني المعتقدات والمواقف المشتركة تجاه الذات والعالم والكون، وفي رؤية عالمية مشتركة وإلی جانب العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية والأساطير التاريخية؛ تعتبر هذه المعتقدات المشترکة جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية.  إذن عندما نتحدث عن الأمة لانرید الاشارة إلی مجموعة صفات ومیزات تمیز الأعراق عن بعضها البعض. یری أحد الباحثین المعاصرین، ان عنصر الوعي یعلب دورا محوریا في الحفاظ علی الهوية واستمرار حیاة الأمم، لأنه کما یقول دیفید براون ان الأمم تعرف وتتمیز بضميرها الأخلاقي ووعيها الذاتي.

ووفقا لآراء براون، ان الكتاب الذين يعتبرون الأصالة ویرون بأن الجوانب القديمة والقرابة والأراضي والتاريخ والاساطیر قضایا مهمة لابد من الاهتمام بها ، وعادة ما يفهمون حاجة الفرد للهوية والإنسانية والقيم الاخلاقية؛ یؤکدون بأنه من خلال هذه القيم ، يمكن معالجة تعقيدات العصر المعاصر والشکوک المحيطة به.

لاشک ان الاهتمام بقضية القرابة والعرق لم یعد موضع اهتمام الباحثين في تعریف الملة والشعب، والا تکون بعض الدول الکونة من عدة عرقیات واثنیات وقوميات مختلفة کامریکا واسترالیا ونیوزیلندا وکندا؛ دول فاقدة لعنصر الجنسية. فالاهتمام في العصر الراهن یقع علی الجانب الثقافي والذهني للهوية الوطنية.

الجدول أدناه يوضح العناصر المکونة للمواطنة والجنسية وفقا للمکتب الالماني والمکتب الفرنسي

 

توضیح المکتب النوع العنصر الرقم
الماني لاارادي اللغة المشترکة ۱
المقصود ارض الآباء والأجداد الماني لااراداي الاراضي المشترکة ۲
یتشمل علی التضامن الديني والفکري فرنسي ارادي الدين ۳
يشتمل علی التقاليد والطقوس الاجتماعية الماني لاارادي الثقافة ۴
یشتمل علی الاساطیر والقصص والحکایات التاريخية الماني لاارادي الخلفية والجذور التاريخية ۵
فرنسي لاارادي الشعور بالانتماء للمجتمع ۶
الماني لاارادي العرق ۷
الماني لاارادي القومية ۸
فرنسي ارادي التضامن مع حق تقریر المصیر لأفراد المجتمع ۹
الماني لاارادي لغة الکتابة ۱۰
فرنسي ارادي الحکومة المشترکة ۱۱

الجدیر بالذکر ان ما تقدم ذکره لایعني ضرورة توفر کافة العناصر المکونة للمواطنة في الأمة الواحدة. علی سبیل المثال ان سکان سویسرا لیس لدیهم لغة مشترکة، والشعب الالماني في فترة الحرب الباردة لم تکن لدیهم دولة واحدة، والشعب الأمريکي متعدد الأعراق والاثنیات و..الخ. الأهم هو أنه کلما کثرت العناصر المشترکة المکونة للمواطنة زاد التضامن الوطني بين المجموعات الأفراد. المسلمون في کافة بقاع العالم خاصة في منطقتي غرب اسیا وشمال افریقیا، یمتلکون غالبية العناصر المکونة للمواطنة. الجدول ادناه یذکر هذه العناصر التي توحد الشعوب الإسلامية.

-العناصر المکونة للمواطنة في العالم الإسلامي(ماعدا جنوب شرق اسیا)

توضیح المکتب النوع العناصر الرقم
الماني لاارادي الأرض ۱
الماني لاارادي التاريخ المشترک ۲
فرنسي ارادي الدين ۳
ثلاثة لغات: فارسية وعربية وترکية. في باکستان وبنغلادش اللغة الاردية. اللغة ۴
الماني لاارادي الخط ۵
الماني لاارادي الثقافة ۶
الماني الارادي العرق ۷
في مرحلة التکوين فرنسي ارادي الشعور بالإنتماء إلی المجتمع ۸
یبدو ان هذا الوعي ازداد بعد انتصار الثورة الإسلامية في إیران فرنسي ارادي الوعي بضرورة التضامن مع حق الأفراد في تقریر المصیر ۹
تعیش قومیات مختلفة في العالم الإسلامي لکنها تتمیز بلغات وثقافة طقوس مشترکة أو متشابهة. القومية ۱۰
توجد خلفية تاريخية لوجود نظام سیاسي مشترک لکنه انتهی بعد سقوط الدولة العباسية النظام السیاسي المشترک ۱۱

 

یتبین من خلال ما تقدم، ان العالم الإسلامي یتمتع بثمانية عناصر من من أصل 11 عنصرا للجنسية. بعبارة أخرى ، فإن العالم الإسلامي في غرب آسيا وشمال إفريقيا لديه أكثر من سبعين في المائة من عوامل وعناصر الجنسية، وهذ العوامل وخلال عملية تاريخية استمرت لأكثر من ألف عام ، کونت أمة موحدة. الجدول أعلاه استثنی المسلمين المغول والمسلمين في جنوب شرق اسیا کمسلمي ماليزيا وإندونيسيا وبروناي.

الجدول أدناه يوضح الأسباب والعناصر المشترکة في العالم الإسلامي(یشتمل ایضا علی المسلمین في اسیا المرکزية وجنوب شرق اسیا).

 

توضيح المکتب النوع الأسباب والعناصر الرقم
الأرض ۱
الجذور التاريخية ۲
فرنسوي ارادي الدین ۳
اللغة ۴
الخط العربي في اسیا الشرقية مهدد من قبل اللغة اللاتينية الماني لاارادي لغة الکتابة ۵
الاشتراک في العناصر الاسلامية المکونة للثقافة الماني لاارادي الثقافة ۶
العرق ۷
فرنسي ارادي الشعور بالانتماء إلی المجتمع ۸
فرنسي ارادي الوعي بضرورة التضامن مع حق الأفراد في تقریر مصیرهم ۹
القومية ۱۰
النظام السیاسي المشترک ۱۱

 

يوضح الجدول اعلاه ان العالم الإسلامي یتمتلک أکثر من نصف العناصر والدائم المکونة للمواطنة. وعلیه یمکننا ان نقول إن المسلمین في کافة انحاء البقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية هم امة واحدة؛ امة ذات اراضي وتاريخ ودین وتاريخ متشرک. أما سبب غیاب العناصر المشترکة بالنسبة للمسلمین في شرق اسیا  هو عدم مسایرتهم لمرحلة العولمة التي مر بها العالم الإسلامي.

4-2-3 الأمة والهوية الوطنية

لا تستند الهوية الوطنية فقط على الجوانب اللاإرادية مثل الأرض المشترکة والعرق، بل تستند ایضا علی البعد العقلي. البعد العقلي للمواطنة یتکون شیئا فشیئا، فوجوده یتفاعل مع التاريخ والمرحلة التي ینشأ فيها.

*الدور التاريخي للهوية الوطنية یتأثر بذات التأريخ لکن التصور الذهني عن هذه الهوية يعني فهم الشعب لنفسه الذي یتأثر بنوع المرويات عنها.. أما الأزمة تبدأ عندما تزداد الهوة بين التصور الذهني ووعي الأمة والوجود التاريخي للعناصر الوطنية. في الحقيقة یتم الاتیان بشيء يسمى الهوية الوطنية؛ شيء لیس له وجود تاريخي تقريبًا. في هذه الحالة ، ستتضرر الهوية الوطنية.

بحسب الکاتب والمؤرخ الفرنسي، “إرنست رينان”، ان عملية تکوين الأمة/الشعب هي نتيجة لعملية استفتاء عام تتکرر بشکل يومي.

أما “دیفید میلیر” فیری أن الاعتراف بالمعتقدات المشترکة من قبل الجماعات الانسانية هو ضرورة ومقدمة لتکوین الأمة. إذن استمرارية الأمة لاترتبط بوجود اوجه تشابه مادية وثقافية، بل یجب ان یکون الأفراد علی قناعة بأنهم عضو في مجتمع یتمیز بهوية موحدة. وبما أن الهوية الوطنية لها جانب نفسي وعقلي إلى حد كبير ، فلا يمكن تجاهل دور العقلية في تنمية الأمم وديمومتها.

تتأثر الجوانب النفسية والعقلية والوعي الذاتي الوطني بالمرویات التي يمكن اعطائها للمجتمع من خلال الهوية وطنية. ويمكن لهذه المروايات أن تؤدي إلی ازمة هوية في المجتمع. المعروف ان ازمة الهوية تؤدي إلی اضعاف الوحدة والقدرات الوطنية. ويؤکد دیفید براون ان الأمم تعرف وتتمیز بضميرها الأخلاقي ووعيها الذاتي.

بعض الباحثين من الذين لایمتلکون أي معلومات معمقة عن مفهوم الأمة، یتصورون بأن الوعي بالذات والوعي الوطني یترتبط(فقط) بارض وجغرافية وعرقية محددة. في حین الحقيقة هي ان العکس صادق ایضا. بعض الأحیان توجد جماعات انسانية تفتقد لعنصر الاراضي المشترکة کما انها تتمیز عن بعضها عرقیا، لکنها توحدت مع بعضها البعض وکونت وحدة وهوية وطنية. یهود العالم هم خیر دلیل علی ذلک.

یری عبدالحميد ابوالحمد “ان الأمة بمفهومها الحالي وبوصفها ظاهرة تاريخية وسياسية ظهرت لأول مرة في أوروبا في مرحلة من التاريخ – تقريبًا مع نمو البرجوازية الصناعية – أما الحكومة تلعب دورها كحارس وراعي للمصالح الوطنية وفقا للقانون وعبر مؤسسات ذات هيکلية منظمة..”  وفقا لهذا المفهوم الجدید، تبتعد الأمة عن معناها الدال علی الجماعة المنتسبة لدیانة واحدة، وتصبح تدل علی مجموعة من الأفراد الذين تحکمهم قوانین ونظم اجتماعية في اراضي محددة، وهذا یعد بداية وانطلاقة لصناعة الأمم الحديثة التي تتکون في کافة انحاء العالم وفقا لموازین القوی.

يعتقد بعض الكتاب الذين لايهتمون بتطور مفهوم الأمة بأن المفهوم الحديث للأمة يمكن تعميمه على الماضي ایضا، وبذلک یقومون بتفسیر الظواهر الاجتماعية من منظلق يتلائم مع ما يروج له الغرب. ان نتيجة ما یقوم به هؤلاء لایمکنها ان تساهم في عملية التطور والتقدم الوطني.

إن الاهتمام بالماضي بشکل مفرط يعني جعل الهوية الوطنية ضحية أمام القوی العالمية المهيمنة، لأن ذلک یؤدي إلی اضعاف وتهمیش العناصر الرئیسية المکونة للهوية أي الدین والثقافة والعادات والتقالید والذکریات المشترکة التي قد تکونت في القرون العشرة الأخیرة، لتحل محلها الاساطیر والقصص الخیالية المرتبطة بالماضي.

على سبيل المثال ، بالنسبة لمهتمين بالماضي في إیران، ان آراش أكثر واقعية من حسين فهميدة، ورستم أكثر أهمية من صياد الشيرازي ، وخسرو برفيز شخصية أكثر نفوذاً من الشيخ صفي الدين الأردبيلي ، وأفشين أكثر  وطنية من سلمان الفارسي. إنهم يتبعون نفس العملية في أجزاء أخرى من الإسلام ويحيلون القبائل المسلمة إلى تاريخهم قبل الإسلام في محاولة لنفي حقيقة تاريخية عمرها 1400 عام. ان هؤلاء یقومون بتدمیر الهوية الوطنية بتشويه الهوية الوطنية لصالح القوى العالمية.

هذا هو السبب الذي جعل التیار القومي الإیراني عاجزا أمام اضعاف ایران واحتلال اراضيها خلال الحرب العالمية الثانية. کما ان القومية العربية في زمن جمال عبدالناصر لم تنجح في مواجهة اسرائیل خاصة في حرب 1967 التي دامت ستة أيام وهزمت فيها الأطراف العربية هزيمة ساحقة. وکذلک لم ينجح التیار القومي الترکي في إعادة مجد أهالی شبه جزيرة الاناضول في القرن الـ20. في المقابل تمکن المسلون(الفکر الإسلامي) من الحاق الهزيمة بالأعداء وذلک عبر  العودة إلی الإسلام الصحيح والتمسک بالعناصر الموحدة. إن انتصار ایران في الحرب المفروضة وکسرها لإرادة القوی العالمية عبر رفع الشعارات الإسلامية هو خیر مثال علی ذلک. من المصادیق الأخری لانتصار التیارات الإسلامية علی جبهة الاستکبار یمکن الإشارة إلی انتصار حزب الله في حرب تموز  2006م.

إن الهوية الوطنية هي عملية تاريخية تتکون شیئا فشيئا، لذا لابد من معرفتها واثبات صحتها لکي یتحقق التضامن والأمن والاقتدار الوطني. الوحدة الوطنية هي نتيجة لوعي الشعب وفهمه الصحح للهوية الوطنية. الهوية الوطنية تتعلق بامور خاصة.. انها هوية جماعية مرتبطة بذکریات جماعیة یعرف الأفراد من خلالها الماضي ویتمکنوا من تفسیره.

إلی جانب التاريخ المشترک، تلعب الذکریات الجماعية والأعراف الاجتماعية دورا کبیرا في کل ما یتعلق بالهوية. لقد  قدم كارل دويتش نموذجًا لدراسة دور الذاكريات في النظام الاجتماعي –التاريخي، وهو نموذج يعكس دور الذاكريات في استمرارية الهويات الجماعية.

وفقًا لهذا النموذج ، يتم تحديد البيانات بشكل رمزي أو عزلها داخل نظام الذاكرة ، وفي المرحلة الثانية ، يتم تخزينها بطريقة ما ، وفي المرحلة الثالثة ، يتم فصل بعض المعلومات عن بعضها. في الخطوة الرابعة ، يتم اعادة التفکیر بالمعلومات المعزولة ، وفي الخطوة الخامسة ، يتم إعادة توحيد ما يتم تذكره لکن بهيئة جدیدة. في السابق لم یکن هذا النموذج موجودًا ضمن قائمة البيانات. في المرحلة السادسة نشهد ظهور نموذج جدید وبذلک تحصل عملية الابداع، وفي المرحلة السابعة یتم استخدام الشکل الجدید.

يقال إن دويتش يستخدم النموذج أعلاه لتوضيح آلية الذاكرة في أنظمة ذات طبيعة اجتماعية ونوع الهويات الشخصية والجماعية. وفقا لهذا النموذج، ترتبط الذاكرة باستمرارية خلق النماذج والابتكار ، کما یتم تنشيط التقاليد أو مراجعتها من خلال تخزين المعلومات واعادة النظر. فكلما زادت درجة الابتكار، تغيرت التقاليد التقليدية. لذا يمكن القول إن الهويات الهيكلية المشتركة تستند إلى الذكريات المشتركة. هذه الهويات مبنية على أمر أو شعار: “تذكر!”. إن هذا التذكير المستمر مرتبط ارتباطا وثیقا  بخلق شعور الاستمرارية التاريخية.

اذا اردنا معالجة الذکریات الجماعية لمجتعنا وفقا لنظرية دويتش، نری ان حادثة عاشوراء أحدثت انماطا جدیدة في تاريخنا ونتيجة لاستمرارها نتجت طقوس وتقالید جدیدة.

لذلک تحولت حادثة عاشوراء إلی جزء لایتجزأ من هویتنا الوطنية، وفي بعض الحقب والفترات الحساسة کانت مصدر الهام وقوة لشعبنا، بالإضافة إلی انها تعد أحد العناصر والدعائم الموحدة في تاريخنا.

يؤکد بعض الكتاب الغربيين علی دور الأساطير والقصص الخيالية في تحديد وتکوين الهوية أكثر من القوی التي تزيف الهوية وفقًا لمصالحها الخاصة. وعلیه يقول الدبلوماسي والسياسي الاسترالي،جون أرمسترونغ (بالإنجليزية: John Armstrong)‏ “… إن الأساطير تضفي الشرعية أيضًا على السلطة”.

 

4-2-4 الهوية الفردية والهوية الوطنية والوحدة الوطنية

على الرغم من أن كلمة “هوية” تعني حرفياً “التمييز” ، إلا أنها تعني أيضًا “الوجود والماهية والطبيعة”. ان اصلها اللغوي هو ضمیر”هو” الذي یشیر إلی الغیاب والکمال، وكذلك التمييز بين الأفراد. لكن معناها العلمي هو معرفة الأسباب والماهية،. وتم استخدام المصطلح لأول مرة في علم النفس من قبل العالم النفساني”إريك إريكسون” للتعبير عن مرحلة في التطور الجسدي والشخصي للإنسان تم تعريفها على أنها هوية فردية.

إن مفهوم “الهوية الوطنية” كظاهرة سياسية واجتماعية ولدت في العصر الجديد هو أحد المفاهيم العلمية التي وجدت طريقها إلى الشرق والمناطق الأخری في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن كمفهوم علمي مرتبط بالعلوم الاجتماعية أخذ ینتشر کبدیل للمزاج الوطني و “الخصائص الوطنية” منذ العقد الثاني للقرن العشرين.

في المعنی الاجتماعي، لاتعد الهوية المیزة الوحيدة لتمییز الأفراد في المجتمع أو التفکیک بين “الأنا” و”الآخر” فقط، بل یتم التأکید علیها بوصفها وسيلة للتلاحم الذي یؤدي إلی ایجاد عمومية اجتماعية. وعلیه یمکن القول: إن الهويةالوطنية هي عبارة عن الشعور بالانتماء وتعهد افراد المجتمع بالمبادئ الثقافية التي تشتمل علی الدين والقيم والاعراف واللغة والادب والتاريخ.

وعلیه يجب القول إن الهوية الوطنية هي مفهوم متعدد الأوجه يشمل المنطقة الجغرافية ، والخبرة التاريخية ، واللغة المشتركة والتراث العلمي والأدبي ، والرموز والدين المشترك ، وفي نفس الوقت یشتمل هذا المفهوم علی بعد سلبي ، أي التمیز عن الآخرین بحیث یصبح الشخص یری الآخر کشخص أجنبي ومنافس ومعارضة وبعض الأحیان عدوا له.

5-2-4 طبقات الهوية ومستویاتها

یری بعض المتخصصين والخبراء بأن الهوية الوطنية قضية متعددة الجوانب والمستویات وتتکون في عملية التعلم الاجتماعي وتتمیز بالتحرک وعدم الثبات. إن الأحداث والتطورات السیاسية والثقافية والاجتماعية ستضیف اشیاء علی طبقات هوية الأفراد والمجتمعات، بحیث تغیر وتؤثر علی الهيکلية العامة للهوية.

ویری هؤلاء ان عناصر الهوية الأفراد تتأثر بالأحداث التاريخية وتکتسب طبقات وعناصر جدیدة. وعلیه ان لبعض الأحداث والتطورات التاريخية کظهور الإسلام وثورة عاشوراء والحروب الصليبية وهجوم المغول وثورة السربداريون والثورة الصناعية وانعکاسها في ایران، والحروب التي اندلعت بین ایران وروسیا، والحروب العالمية، والدفاع المقدس في الحرب المفروضة؛ اثر مباشر علی تکوین وتشکیل طبقات هويتنا.

للهوية مستویات ومراحل مختلفة، حیث انها -وفي تقسیم عام- تنقسیم إلی قسيمين: الهوية الفردية، والهوية الجماعية. الهوية الفردية هي عبارة عن الخصائص والمیزات التي یتمیز بها الأفراد، لکن الهوية الجماعية هي عبارة عن الخصائص والمیزات الاجتماعية التممیز ابناء البشر عن باقي الکائنات. نحن(کمسلمين) في داخل هويتنا الإنسانية نمتلک هوية اسلامية تمیزنا عن اتباع الدیانات الأخری، فهویاتنا ممزوجة مع بعضها البعض، وهذه الهویات کونت قشور ثقافتنا من المنظار الديني. وفي دوائر صغیرة، تتکون هویتنا الجماعية من قشور مختلفة، لکن ککل تهيمن هویتنا الوطنية -أي الهوية التي تمیزنا عن باقي الشعوب- علی کافة الهویات الجماعية والفردية. وفي داخل هذه الهوية تدخل هویات أخری کالهوية العرقية(فرس، واذريين و..) والهوية المهنية(الفلاحة والحدادة والعمل في دائرة من الدوائر و..) والهوية الطبقية(ثرية-فقيرة) والهوية العمرية(طفل، یافع، شباب، کبار السن و..) وهویات فردية وجماعية أخری.

کما ان الانسان یکون فردا من أفراد مجموعات بشریة مختلفة(کالأسرة، والمدرسة، والنادي الریاضي، والمؤسسات التعليمية و…) یمکنه ان یمتلک هویات متعددة في آن واحد. إذن:

1-یعد امتلاک هويات مختلفة من الضروريات والاقتضاءات في کافة المجتمعات الإنسانية.

2-هوية الأفراد؛ اجتماعية کانت أم فردية، هي نتيجة مباشرة للتعامل والممارسة الاجتماعية.

۳- إن أولوية وتفضيل الهوية الجماعية لكل فرد مرتبطة بالکم والکیف لدرجة الانتماء ووتعلق الفرد لمجتمع من المجتمعات.

۴- العلاقات الاجتماعية تشتمل علی أربع فئات: سياسية وفكرية واقتصادية وعاطفية. نتيجة العلاقات السياسية على مستوى المجتمع هو إنتاج السلطة السياسية المشتركة. ونتيجة العلاقات الاقتصادية على مستوى المجتمع هي إنتاج الثروة المشتركة. ونتيجة العلاقات الفكرية على مستوى المجتمع هي إنتاج المعرفة والفكر والثقافة المشتركة، أما نتيجة العلاقات العاطفية فهي العواطف والأحاسيس المشتركة.

۵-  إن العناصر المكونة للهوية الوطنية تختلف عن بعضها البعض من حيث القيمة والمکانة ، لذا فان لكل عنصر من العناصر دورًا وأهمية مختلفة. وعلیه، يبدو ان دور العناصر الاجتماعية والثقافية کالدين والأدب واللغة والطقوس العامة والمهرجانات والعادات والتقاليد أكثر من العناصر السياسية کالحكومة أو الأرض أو العناصر الاقتصادية في تشكيل الهوية الوطنية. لأن العناصر الثقافية والاجتماعية تعتبر عناصر ثابتة ووبنية تحتية للهوية الوطنية أما العناصر السياسية تفهي عناصر غير ثابتة وتتحول شیئا فشيئا.

6-الهوية الوطنية هي نتيجة المناسبات والعلاقات الاجتماعية التي تمارس بتوجهات معنوية وبطقوس اجتماعية محددة. فالمناسبات الاجتماعية تؤكد هوية المجتمع وتوثق العلاقات بين أفراده.

7-إن مفهوم الهوية الوطنية کمفهوم الثقافة والمجتمع والشعب هو مفهوم یتکون في مراحل تاريخية مختلفة؛ أي انه یتکون في فترات زمنية ویشهد مرور اجیال مختلفة.

۸-إن الهوية معقدة ومتداخلة في طبيعتها وقد تبدو متناقضة في بعض الأحيان. على سبيل المثال ، على الرغم من أن الهوية الوطنية تستمر بمرور الوقت ، إلا أنها تتطور باستمرار ، أي أنها مستقرة وديناميكية ، وكما ذكرنا ، فهي تتضمن طبقات بداخلك (مثل الهوية الوطنية والهوية العرقية والهوية الجنسية ) وعادة ما يكون لها جانب عاطفي وعقلاني، لذا فان الهوية تکون دائما معرضة لمواجهة فرص وتحديات یمکنها ان تضعفها أو تقویها.

إن أکبر تهديد أو تحدي للهوية على كل المستویات هو القمع والتمييز. عندما يشعر الشخص بأن هويته لا تتوافق مع حقوقه ، يحاول أن يفصل نفسه عنها. وبالتالي ، فإن البلدان التي تمكنت من توفير نسبة من والرفاهية لأبنائها لديها هوية وطنية أقوى ، ونتيجة لذلك ، أصبحت بلدان محببة بالنسبة للجمیع إلی جانب خلوها من الجماعات والأطیاف التي لاتشعر بالانتماء إلیها.

من التحدیات الأخری التي تهدد الهوية الوطنية، هو قيام المراکز الاجنبية التابعة لقوی الهيمنة والاستکبار بتعریف هذه الهوية. علی سبیل المثال تعریف الهويات العرقية بواسطة المستشرقين والخبراء السیاسيين والثقافيين الغربيين، فتعاریف هؤلاء یمکنها ان تؤدي إلی شرخ داخلي وابعاد بعض الاثنیات والعرقیات عن مرکزية الهوية الوطنية.

إن عملية تقسيم الدول (عبر التدخلات الخارجية) تمر عادة بمرحلة إعادة تعریف للهويات القومية. إن عملية إعادة تعریف الهويات القومية والوطنية قد أدت إلی انشاء دول جدیدة کنسنغافورة، وبرونئي، التشيک،والسلوفاکيا، والتایوان، وافغانستان، وطاجیکستان و… . وخلال عملية إعادة تعریف الهویات القومية، یتم الترکیز علی حقائق تاریخية أو خلق حقائق جدیدة مایؤدي إلی ظهور تیارات وتوجهات سیاسية جدیدة تطالب بالانفصال والاستقلال.  إن الهوية الوطنية هي البنية التحتية للوحدة الوطنية. ثم ان أهم عنصر في الهوية الوطنية هو عنصر الدين المشترک، حیث یمکن اعتباره أقوی أساس تقوم علیه الوحدة الوطنية.

4-2-6 اهمية الوعي بالهوية الوطنية

إن معالجة القضایا المرتبطة بالهوية الوطنية وزیادة الوعي بها سیساهم في مسیرة التقدم ومواجهة التحدیات التي تحدق بالبلاد؛ لذا فان قضية الوعي بالهوية الوطنية مهمة من عدة جهات:

۱- لقد أطلق على العصر المعاصر عصر حل لغز الهوية. تُعرف الهوية الوطنية، وخاصة فيما يتعلق بعناصرها الروحية والعقلية؛ بأنها الأكثر عمومية وفي نفس الوقت المستوى الأهم للهوية في جميع النظم الاجتماعية الحالية حیث انها تؤثر على جميع النظم الفرعية الاجتماعية وهي البنية التحتية للوحدة الوطنية.

2-الهوية الوطنية هي التي تجیب علی الأسئلة المتعلقة بالماضي والعصر الحالي والمستقبل، لذا فانها تلعب دورا کبیرا في ومحوریا في تحدید مصیر الشعوب.

3-إن مفهوم الملة/الشعب یعد من المفاهيم الجدیدة في العلوم الاجتماعية. ان التبيين الصحيح لهذا المفهوم سیساهم في التخطیط لمواجهة التحدیات التي تهدد الوحدة الوطنية وبطبيعة الحال سيؤدي ذلک إلی تعزیز القدرات الوطنية.

4-من الأسباب الأخری التي تؤکد أهمية معرفة الهوية الوطنية وضرورة معالجتها هو المکانة الخاصة لقضية الهوية في التنمية الوطنية. بعبارة أخری، ان للهوية الوطنية أهمية کبیرة في عملية الاعمار والتنمية الوطنية.

5-ایران تقع في منطقة الشرق الأوسط ومرکز الجزیرة العالمية، وکانت دائما مهمة ومؤثرة في العالم الإسلامي. إن عدم المعرفة الصحيحة والعلمية للهوية الوطنية-التي اخذت معناها التاريخي في إطارها الإسلامي- سيؤدي إلی إضعاف القدرات الوطنية وبتبع ذلک إضعاف المکانة العالمية لإیران.

6-من الأسباب الأخری التي تؤکد ضرورة هذا التبيين العلمي هو فهم المجتمعات التي تقع داخل المجتمع الایراني-بوصفه مجتمع اسلامي-  من حیث القومية والطبقات المجتمعية و..الخ، وعبر الفهم العلمي لهذه الهوية، یمکن ضمان وتعزیز التضامن والوحدة في المجتمع الإیراني.

7-إن الثورة المعلوماتية التي حدثت في عصر التقنية وتتمیز بالسرعة والتوسع یوما بعد یوم، یمکنها ان تشکل تحدیات کبیرة وجدية للهویات الوطنية.

4-2-7 الثقافة والهوية الوطنية

إن دور الثقافة في الهوية الوطنية دور مهم وحساس إلی درجة دفعت بعض الباحثين للقول بأن الهوية الوطنية هي تبع للثقافة الوطنية. ویؤکد هؤلاء: إن ما یتم خلقه والأفکار التي یبتدعها البشر عندما تطبق علی ارض الواقع تتحول إلی ثقافة.

لاشک ان الهوية الوطنية تتجلی في بيئة جغرافية-تاريخية، لکنها دون شک لدیها صلة وثيقة مع الثقافة. ان هذه العلاقة قوية إلی حد دفعت بعض المفکرين (في مجال الدراسات المتعلقة بالهوية الوطنية) للقول بأن الحدیث عن الهوية یعني الحدیث عن الثقافة؛ فلو قلنا الهوية الإیرانية یعني اننا نشیر للثقافة الإیرانية وهي بالطبع تشمل-شئنا ام ابینا- قضایا عدیدة ومختلفة.

إن الرکيزة الأساسية في قضية الثقافة هي ثلاثة قضایا: الدين واللغة والأدب، بحیث سيؤدي إضعاف اللغة والدين والأدب إلى إضعاف الهوية الوطنية. يقول الدکتور محمود روح الأميني: هل اللغة حقًا نوع من الهوية الثقافية؟ وهل تضرر اللغة وضعفها سيؤدي إلی اضعاف الثقافة؟ لاشک ان الجواب علی کلا السؤالين هو: نعم.  من وجهة نظر تاريخية ، عندما نتحدث عن الهوية، فاننا نکون قد تحدثنا عن الحفاظ علی الهوية. لذا فاننا ومن أجل الحفاظ على الهوية الوطنية ، لابد لنا من الترکیز علی عنصر اللغة إلى جانب العناصر الأخری، فاللغة هي عامل رئيسي لهذه الهوية التي نرید الحفاظ علیها.

إن الثقافة هي أهم العناصرالمکونة للهوية الوطنية کاللغة والدين.  الإسلام والشيعة واللغة الفارسية هي أهم العناصر التي تقوم علیها أركان الهوية في أجزاء كبيرة من منطقة غرب آسيا. لأن “الهوية الوطنية هي مجموعة من الخصائص والانتماءات والعلاقات الجغرافية والتاريخية والثقافية والملحمية والعرقية وغيرها من العلاقات التي تشمل الحياة البشرية وتجعل الفرد یفخرلانتماءه إلی المجتمع”. في هذه العملية، حافظت العناصر اللغوية والدينية والدينية على مکانتها الأساسية، بحيث تتغیر بعض الأحیان توجهات ومصیر قسم من العشب بتغییر لغتها. وذلک لو تحولت مجموعة بشرية من دین إلی دین آخر.

إن أهمية الجزء المعنوي والعقلي والثقافي من الهوية يجب ألا تصرفنا عن أهمية الأجزاء الأخرى منها. مما لا شك فيه أن “أحد المكونات الأخرى للهوية الوطنية هو العامل الجيوسیاسي. نحن وأولئك الذين يعيشون في الرقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية لدينا تاريخ مشترك ، وهذا التاريخ المشترك يساهم في تعزیز القواسم المشتركة بيينا وبین الدول الواقعة في هذه الرقعة.

 

8-2-4 الغرب والهوية الوطنية

في القرون الأخیرة، استعت دائرة نفوذ الغرب وادواته الحدیثة حیث تعززت هیمنتها علی الثقافة الوطنية وبذلک استطاعت ان تؤثر علیها. مع الأسف الشدید ان الشعوب التي وقع علیها الاستعمار، اتبعت(تبعية عمیاء) القيم والأنماط التي اختلقتها القوی المستعمرة. فبعض الأحیان تقوم القوی الاستعمارية بتعریف الهوية المستعمرة؛ بدورها تقوم الشعوب المستعمرة بالاعتراف والانتماء إلی الهوية التي حددتها تلک القوی. إن التبئییر وتمهید الارضية لتقبل هذه الهوية المزيفة والانتماء الیها یتم بواسطة عناصر تابعة للقوی الاستعمارية، وعادة ما تکون هذه لهذه العناصر مشترکات لغوية وفکرية. إن هؤلاء یقومون بالتأثیر علی الرأي العمل عبر الاستعانة بأحدث الطرق والاسالیب، وخلال ذلک یقومون بتعزیز وتبریر وتمجید ما یرید الغرب ترویجه في المجتمع المستعمر.
إن الغرب یسعی لترویج أنماط اجتماعية متناقضة مع العادات والتقاليد الخاصة بثقافتنا ومصالحنا الوطنية، بهدف اضعاف المعتقد بکل ما یرتبط بهویتنا وثقافتنا، ووبذلک تهدف القوی الغربیة للقضاء علی هویتنا ووحدتنا وقدراتنا الوطنية.

یوسع الدكتور محمود سريع القلم نطاق النقاش حول العلاقة بين الثقافة والهوية الوطنية إلى طبقات أعمق وأكثر جدية ،ویقول: إننا ومن أجل فهم قضية الهوية الوطنية ، نحتاج إلى معرفة السياق الثقافي والحضاري الذي نحن فيه.” ويضيف: “نحن في الواقع نواجه أزمة عدم معرفة وعاء الحضارة العالمية.

بعض الظواهر الاجتماعية کقيمة الأفراد وتلبية الاحتیاجات وتحمل المسؤوليات، والبحث عن المصالح المستدامة والأهداف الجماعية وتفضيلها علی المصالح الشخصية، والخلق والابداع، وتعلم ثقافة العمل وبذل الجهود لتحقیق الأهداف، والعمل علی الحفاظ علی الأعراف الاجتماعية والحفاظ علی کرامة الأسرة، والاهتمام بحقوق الانسان والحريات الاجتماعية کحق التعليم وحقوق المواطن، کلها تعد من القيم التي أکدت علیها الشريعة الإسلامية، أما المجتمعات ابشرية أصبحت الیوم مرغمة علی الاهتمام بهذه القيم. إن انهیار انظمة الفصل العنصري وکذلک زوال الأنظمة التي تحکمها الأحزاب المستبدة هي دلالات علی حرکة المجتمعات البشرية نحو التوازن الذي لایرید الظلم والاستبداد. لقد أصبحت العقلانية اليوم معيارًا في اختيار الأصول والأسس، وكلما أخذ هذا المعيار في الحسبان، کان التحرک نحو التوازن أسرع ووأسهل، وبذلک تصبح العقلانية قيمة ذات اهمية في تعلم القيم الاجتماعية والعلاقات الأسرية والمدارس ووسائل الإعلام. الابتعاد عن العقلانية یعني عدم التمکن الحفاظ علی الهوية الوطنية وصیانتها في الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية. إن معيار العقلانية هو معيار تم التأكيد عليه بشکل کبیر القرآن الكريم، ما یؤکد أهمیته في الشؤون الاجتماعية.

4-3 الهوية الوطنية والعالم الإسلامي

یری الدکتور محمود سریع القلم، ان التاريخ الثقافي ، والدين ، والعرق ، والجغرافيا السياسية ، والقدرات والقدرات الوطنية ، والنظام التعليمي ، ونوع العلاقة بين الحكومة والناس عوامل فاعلة ومؤثرة في کيفية تعريف الهوية الوطنية. يقول: «في فترة خاصة ومحددة، کانت الأفکار القومية المتطرفة سائدة في إیران، وهذه الأفکار کانت نتيجة لهویتنا الوطنية، ففي فترات أخری فقدت إیرن أهميتها الجغرافي، فالأهمية کانت لأراضي واسعة تمتد من المغرب حتی الحدود الشرقية للهند.»

الدکتور سریع القللم یقصد بالـ”القومية المتطرفة” الأفکار القومية التي انتشرت في ایران والعالم العربي وترکیا بعد الحرب العالمية الأولی وانهیار الامبراطورية العثمانية، وکذلک بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة شخصیات سیاسية کمصطفی آتاتورک ورضاخان ومیشل عفلق و..الخ، فنتيجة لجهود هؤلاء أصبح الفکر القومي هو الفکر السائد في الدول الإسلامية، وکل ذلک جاء بهدف اضعاف تقویض الوحدة الإسلامية واضعاف قدرات العالم الإسلامي. ویقصد بالـ”الأهمية کانت لأراضي واسعة تمتد من المغرب حتی الحدود الشرقية للهند” الرقعة الجغرافية للحضارة الإسلامية وظهور أفکار جدیدة لمفکرين اسلاميين کسید قطب في مصر، ومودودي واقبال لاهوري في باکستان، والسید محمد باقر الصدر في العراق، والدکتور علي شريعتي، وامام موسی صدر والإمام الخميني(رض) في ایران، الذين کانوا یعملون علی احیاء الحضارة الإسلامية واعادة مجد الإسلام وکذلک ارساء دعائم الوحدة الإسلامية التي کانت موجودة قبل الف عام. لأن العالم الإسلامي لایعني”امة” تتبع دیانة واحدة فحسب، بل امة ذات نفس الضوابط والمعاییر والقيم والعناصر التي تتکون منها الهوية الوطنية، فالوحدة الدينية والوحدة الثقافية والمشترکات التاريخية هي من میزات العالم الإسلامي، ولو استثنینا إندونيسيا ومالیزیا یصبح هذا العالم ذات مشترکات جغرافية ایضا. وحدة هذا العالم السیاسية ایضا لاترتبط بالفترات التاريخية التي تمتد إلی خمسة أو عشرة آلاف عام، بل ظلت مستمرة حتی القرون الأخیرة، وعلیه یشیر الدکتور سریع القلم إلی حقيقة مهمة ویقول: «المؤشر الرابع{1-معرفة مصادر الهوية. ب: الطاقات الداخلية والتوجهات الاجتماعية. ج:العناصر الوطنية} هو الاخذ بعین الاعتبار ما یمتلکه کل بلد من البلدان» ویؤکد علی أن «التقييم الدقيق والمنطقي والعلمي للأشیاء التي یمتلکها البلد وتؤثر في الهوية الوطنية بشکل مباشر؛ موضوع مهم ولابد من الاهتمام به.»

إن الدکتور سریع القلم لایری بأن العناصر المکونة للهوية الوطنية لاتصدق علی الجغرافية الإسلامية، بل یؤکد أن هذا التصديق یواجه معارضة القوی التي حلت محل الحضارة الإسلامية، لذلا فان الهيکلية السیاسية الإیرانية لایمکنها ان نقوم بمواجهة هذه القوی بمفردها.  إن هذه الرؤية رؤية دقيقة وصحيحة، لکن إذا اردنا ان نعالج الموضوع برؤية بحثية بحته یجب علینا ان نتقبل هذه الحقيقة وهي ان الهوية الوطنية في الجغرافية الإسلامية هي هوية واحدة لکنها تمزقت لأسباب سیاسية. إن موضوع عدم ملائمة العناصر المکونة للهوية الوطنية-العناصر الجغرافية والتاريخية والدينية والثقافية- یشکل بحد ذاته قضية خاصة، وموضوع معارضة القوی العالمية للوحدة الإسلامية ایضا یشکل بحد ذاته قضية أخری. الجدیر بالذکر ان العالم الإسلامي یتمتع نوعا ما بالوحدة العرقية، فسکان البقعة الجغرافية الإسلامية هم نتاج التزاوج بین الشعوب والعرقیات التي اعتنقت الدين الإسلامي، فهذه الوحدة العرقية تمتد من سلسلة جبال الهيمالايا حتی جبال البرانس.

4-4 الغرب والوحدة الوطنية لمسلمين في کافة أنحاء العالم

یقول الدکتور سریع القلم: برأيي لو نظرنا إلی العالم بنظرة واقعية لتبين لنا بأن العالم هو عبارة عن بيئة غربية یحدد الغرب قواعدها.ویضیف: لایمکن الجمیع بین ان تکون مسلما وبین ان تکون غربیا… لعله هذا السبب الذي أدی إلی خلافات ببین الشرق الأوسط ودول العالم…. من هنا تبدأ مشاکلنا؛ ان تکون مسلما في حین ترید ممارسة حیاتک علی النمط الغربي؛ هذا الأمر فیه صعوبات جمة. وبالتالي یتوصل إلی “… طالما الغرب یظل مسیطرا علی العالم سنظل نحن نعیش في تناقض؛ تناقض بین الدین والهوية الوطنية والنمط الغربي. ان الدکتور سریع القلم یری بأن الفکر القومي الإیراني لایجتمع مع الفکر الإسلامي، لکن بالنسبة للعالم العربي فالأمر مختلف تماما فلاتناقض بین کون الشخص عربيا(قوميا) وبین کونه مسلما.

ان الحدیث عن اختلاف المناهل الفکرية الإیرانية القديمة مع المناهل الفکرية للشيعةكلام صحيح و واقعي وعين الصواب، لکن کیف یتطابق الفکر القومي العربي مع الفکر الإسلامي! هذه قضية تستحق الوقوف عندها. هل المقصود الفکر العربي الذي کان سائد قبل ظهور الإسلام؟ إن الإسلام عارض بشدة الطقوس التقالید العربية التي کانت سائدة قبل الإسلام، وان النبي الکريم(ص) خاض العدید من الحروب علی المناهل الفکرية المتناقضة مع القيم الإسلامية. ان الصراع بين النبي والعرب قبل الإسلام جاء نتيجة نفي الإسلام للهوية العربية آنذاک. أما ذا کان المقصود هو ملائمة الفکر العربي للمصادر الإسلامية التي انتجت بعد مجئ الإسلام یمکن القول إن المصادر الإسلامية التي انتجت في ایران بعد دخول الإسلام کذلک لم تکن متعارضة مع الهوية الوطنية الإیرانية.

4-5  القومية ومسخ الهوية الوطنية

بعض الباحثین ارادوا ایجاد حلول للتناقض الذي ذکرناه آنفا وذلک عبر خلق حقائق تاريخية لتبریر الهوية المزيفة، وعلیه اخذوا بنفي أکثر من الف واربعمائة عام التاریخ الإیراني ونفي الهوية التي تکونت خلال هذه الفترة. إن هؤلاء قاموا بالترکیز علی تاريخ ایران قبل دخول الإسلام، والبعض منهم عملوا علی المزج بین الحضارة الإیرانية القديمة والثقافة الإیرانية الإسلامية بهدف خلق ثقافة مرکبة. إن المزج بين الأساطیر التاريخية والتاريخ الإسلامي في مختلف بقاع العالم سيؤدي إلی خلق بيئة مناسبة لتمزیق الهوية الإسلامية، کما انه لایؤثر علی تعزیز مبادئ الهوية والوحدة والقدرات الوطنية.

نعم یمکن ربط التاريخ المصري في الإسلامي بعرص الفراعنية وتاریخ ترکیل بتاریخ اساطیر توران وتاریخ السعودية بالفترة التي عاشها ابولهب ومع ابوجهل، وتاریخ ایران في العصر الإسلامي بزمن دولة الساسانيين. نعم یمکن ذلک لکن ما جدوی ذلک؟ الهدف من ذلک هو اضعاف الهوية الوطنية للشعوب الإسلامية، ونتيجة ذلک ستکون بالضبط نفس النتيجة التي خلفا الفکر القومي العربي. الجدیر بالذکر ان محاولة بعض الکتلب لمسخ التاريخ ونفي الهوية الوطنية أوقعتهم في ضلال وتناقض. یقول أحد هؤلاء: “ان الأيديولوجية الشيعية هي من صناعة الدولة الصفوية للتمیز عن باقي المناطق السنية.” في حین نعلم بأن التشيع لم یکن ظاهرة حديثة الظهور، فقبل الدولة الصفوية وجدت دول شيعية کانت تدار من قبل الحکومة المرکزية(الخلفاء) کدولة الأدارسة في افريقيا، ودولة العلويون في طبریا، ودولة آل بویه في جیلان، ودولة السربداريون في خراسان، والمرعشيون في طبریا، وآل کیا في جیلان.

ثم ان التشيع یعود تاريخه إلی الإمام علي بن ابي طالب(علیهما السلام) وعهد الرسول الکريم(ص)؛ فالنبي الأعظم کان علی رأس هذا التیار الاجتماعي، والدلیل علی ذلک هو دعم النبي للإمام علي. إن التشيع هو نهضة ثورية بدأت بالاحتجاج علی انحراف الدين الإسلامي عن المسار الصحيح وذلک بعدما تحول إلی من نظام الامام إلی نظام الخلافة ثم الملکية حیث قام بنو امية.. ان هذه النهضة استمرت في مراحل مختلفة من التاريخ الإسلام؛ فمسیرة الشيعة شملت احداث مختلفة منها ثورة الإمام الحسين(ع) بتاریخ 63 هـ، وثورة التوابين والمختار بتاريخ 64 هـ، وثورة محمد النفس الزكية، ومعركة فخ التي وقعت بتاريخ 8 ذو الحجة 169 ه. إلی جانب هذا کله، ان نهضة “زيد بن علي” توسعت إلی ابعد الحدود حیث وصلت العراق ثم ایران، وأحد الناجین في معرکة فخ(ادریس بن عبدالله) تحول إلی المغرب وقام بتأسیس دولة الأدارسة في درفاس. في شمال افريقيا قام الفاطميون(فرع من فروع الشيعية الاسماعيلية) بتأسيس دولتهم التي مناطق وأقاليم واسعة في شمال أفريقيا. ثم وقعت نهضتي المرابطين والموحدين في شمال افريقيا حیث کانتا ذات طابع شيعي لتأکیدهم علی ظهور المهدي المنتظر(عج).

في عصرنا الحاضر، یتوزع الشيعة في کافة انحاء العالم وان کانت الغالبية العظمی تعیش في ایران، لکن للشيعة تاریخ مجید حیث کان لهم تأثیر کبیر في کافة دول العالم، هذا بالإضافپة إلی سیطرتهم علی شبه القارة الهندية طيلة عدة قرون.

من جهة ثانية، ان سکان شبه جزيرة الاناضول(ترکیا الحالية) تعود جذورهم إلی الحضارة البیزنطية وروما الشرقية ولیس لأساطیر توران.

ملخص القول هو ان انتساب الشعب الإیراني للإسلام المحمدي أصبح اليوم من المکونات الأساسية لوحدتنا الوطنية کما انه عنصرا اساسیا من هویتنا الوطنية. إن هویتنا الوطنية لم تکن وليدة التاريخ القومي الإیراني ولا هي نتاج الدولة الصفوية، بل هي نتيجة الحرکة الثورة للمسلمين المؤمنين بالإسلام الأصیل والمعارضين لرجعية الدولة الأموية والعباسية، کما انها تعد مظهرا من مظاهر التنویر وحرکية الإسلام الأصیل في تاريخ الحضارة الإسلامية.

إن الدين الإسلامي إلی جانب تحوله إلی جزء أساسي من هوينا الوطنية(والحدیث عن الشعب الإیراني)، أثر بشکل کبیر ومباشر علی ادبنا ولغتنا وثقافتنا، کما انه لعب دورا کبیرا في الأحداث التاريخية المرتبطة بتاریخنا خاصة التاريخ المعاصر.

10-4 اربعة أزمات یعاني منها العالم الإسلامي

إن إیران بوصفها أحدی الرقع الجغرافية للعالم الإسلامي، کانت تعاني من اربعة أزمات قبل انتصار الثورة الإسلامية، وهي: أزمة الهویة، ازمة الشرعية، ازمة المشارکة وازمة العدالة. یجبان لاننسی ان الأزمات التي تعاني منها ایران قبل انتصار الثورة، هي ازمات تعاني منها کافة الدول الإسلامية(في الشرق والغرب). إن ایران بوصفها بلدا اسلامية، قامت(قبل اي دول اسلامية) بثورة اسلامية لاحتواء الازمة ومواجهة التحدیات التي تشکلها هذه الازمات .

لاشک ان هذه الازمات هي التي مهدت الارضية لاندلاع الاحداث التي شهدتها دول منطقة الشرق الأوسط وشرق افریقیا. إن هذه الاحداث لن تحقق أي نتائج إلا إذا بلغت الشعوب الإسلامية مرحلة الوعي الجماعي واقتنعت بأنها شعب واحد ذات تاریخ مشترک ولابد له من العمل لتحقيق الوحدة الإسلامية.

5تجدید الأمة الإسلامية والتاريخ الحدیث

بعد انتصار الثورة الإسلامية وفي إیران وبتبع ذلک انطلاق النهضة والثورات الإسلامية في العالم الإسلامي هو دلالة علی تجدید الأمة الإسلامية. یبدو ان الإنسان المسلم وبعد انطلاق الثورات الإسلامية في الرقعة الجغرافية للعالم الإسلامي؛ سوف یبلغ مرحلة الوعي وسیکتشف هذه الحقيقة بأن الشعوب الإسلامية هي أمة واحدة ذات شريعة واراضي وخط وکتابة وفي بعض الأحیان لغة متشرکة وکل هذه العناصر تکون هوية وطنية مشترک لهذه الأمة. ثم ان هذه الأمة تحتاج إلا قائد موحد، وهيکلية سیاسية موحدة یکون التوحید والنبوة والعدالة شعارها الأساسي. ان العالم الإسلام یحتاج إلی نظام سیاسي یقوم باستهلاک الطاقات والماورد الطبيعية(في البقعة الجغرافية للعالم الإسلامي) في سبیل العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وتلبية احتياجات الجمهور المادية والروحية. یجب ان یکون قائد هذا العالم تقیا ورعا عابدا لله وسباقاً إلى أعمال الخير مرشداً كريماً يرشد أتباعه ومحبيه إلى طريق المعرفة والعلم والعبادة.

إن احیاء الحضارة الإسلامية إلی جانب تجدید الأمة الإسلامية في جغرافية الحضارة الإسلامية، سيؤديان إلی خلق قوة أو محور جدید في الجزیرة العالمية؛ محور یمکنه ان یهدي السلام والاستقرار والتقدم للمجتمعات البشرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.