الثقافة الاسلامیۀ
موقع إسلامي وثقافي الثقافة الاسلامية

العالم مابعد کورونا؛ تداعيات متعددة وتغييرات في موازين القوی

0 254

لاشك أن الإجابة-بشکل کامل- علی التساؤلات حول مرحلة ما بعد القضاء علی جائحة کورونا (کوفيد-19) تکاد تکون مستحيلة، کما لایمکن لأحد التنبؤ بمستقبل العالم والبشرية بعد الجائحة خاصة وان فترة القضاء علی الفیروس لم تحدد بعد وکذلك لم یحدد حتی الآن الموعد الذي سیتمکن فیه أطباء العالم من إنتاج لقاح قادر علی قتل الفيروس أو منعه من الانتشار، لکن الواضح هو ان الأمور والظروف في مرحلة مابعد کورونا لن تعود کما کانت علیه في السابق، وعلیه سنسرد فيما يلي تصورات لأبعاد أزمة کورونا وانعکاساتها العالمية.

التداعيات الاقتصادية

يرى خبراء اقتصاديّون أنّ تأثیر فيروس کورونا علی الاقتصاد العالمي سیکون أکبر بکثیر من تأثیره علی القطاع الصحي العالمي، حیث انه سیضر بالاقتصاد العالمي لدرجة ستؤدي إلی تغییرات کبیرة في مفاهيم الهيمنة الاقتصادية.

التقاریر الصادرة عن صندوق النقد الدولي تشیر إلی انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في کافة دول العالم. بحسب المعطیات الصادرة عن الصندوق ان نسبة التبادل التجاري والاقتصادي العالمي في فترة تفشي الفيروس تراجعت بنسبة 6 %. إن الاقتصاد العالمي في 2019 شهد نموا بنسبة 3 %، لکن الیوم ونتيجة لتشفي الفيروس، تؤکد التقدیرات انخفاض معدلات النمو الاقتصادي علی مستوی العالم في عام 2020، أما التوقعات فتشیر إلی تراجع المؤشرات الاقتصادية في الفترة المقبلة حیث انها ستشهد انخفاضا خلال الأشهر القادمة ستصل نسبته إلی 3 % .

ما یمکن قوله في الوقت الراهن هو ان نسبة تضرر الدول سوف تکون مختلفة من دولة لأخری، لکن مما لاشك فيه ان الدول الفقيرة ستکون أکثر تضررا من هذه التداعيات. في الترة الراهنة، یتجه الاقتصاد الاوروبي والأميرکي نحو الرکود بسبب تفشي الفيروس في البلدان الأوروبية، هذا بالإضافة إلی تفشي الفقر وزیادة نسبة البطالة في هذه الدول، الأمر الذي سوف یزید من حالة عدم الرضا الاجتماعي وبالتالي ربما ستشهد تلك الدول موجة احجاجات شعبية نتيجة لتردي الوضع المعيشي.

لقد تعودت المجتمعات الغربية علی الرفاه الاجتماعي وانخفاض نسبة البطلالة، لذا فان هذه المجتمعات لایمکنها ان تتحمل المصاعب والویلات وتردي الوضع المعيشي بعد ازمة کورونا. ان حالة عدم الرضا الاجتماعي في الدول الغربية، ستؤدي في بعض الدول(کأمريکا کون المجتمع الأمريکي اكثر مجتمع مسلح في العالم) إلى نوع من الإحباط والاحتقان وخيبات الأمل، ومن ثمّ الجنوح إلى العنف والتطرّف.

من جهة ثانية، لقد کشفت أزمة کورونا الحجم الکبیر للدین العام الخارجي التي تعاني منه الدول الغربية. ان هذه الأزمة اثبتت ایضا ان الاقتصاد الغربي هو اقتصاد طفيلي مهيکل. بيانات صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية تشیر إلی تجاوز الدين الحكومي الأميركي مستوى 23 تريليون دولار، ما حول اميرکا إلی أکبر دولة من حيث مستوى الدين العام. بدوره الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أعلن عن عزم ادارته، توفير تريليون دولار مع الكونغرس، كحزمة مساعدات اقتصادية للأفراد والشركات الصغيرة، لحمايتهم من التأثر بتداعيات انتشار فيروس كورونا. إن هذه الخطوة من قبل إدارة ترامب سترفع نسبة الديون الأميرکية إلی 25 تريليون دولار، وبطبيعة الحال انها ستزید من حدة الأزمة التي یعاني منها الاقتصاد الأميرکي. ديون الدول الاوروبية ایضا تجاوزت الـ15 تريليون يورو، وبذلك حلت دول الاتحاد الاوروبي بالمرحلة الثانية لقائمة الدول الأکثر دينا. ثم ان ديون اوروبا وخلال ازمة کورونا ازدادت بعد ان خصصت حزمة بقيمية 500 ميليار يورو للحد من آثار “كورونا”.

الجدیر بالذکر ان نسبة الديون في جنوب القارة الاوروبية اکبر من باقي المناطق، فدیون الحکومة الایطالية تقدر بـ 2400 مليار دولار، لذا فهي صاحبة أعلى مستوى ديون في الاتحاد الأوروبي، ثم تليها کل من اسبانیا و اليونان. 

الظروف الراهنة اثبتت أن دول الرفاه الاجتماعي الغربية کأميرکا،کسبت هذه الصفة بسبب امتلاکها عملية عالمية في سوق الصرف الأجنبي ولیس بسبب ارتفاع نسبة الانتاج. إن اميرکا ومن أجل التخفيف من آثار فيروس كورونا على اقتصادها، مضت في طبع أوراق العملة بقيمة ترليوني دولار كتعويض عن الدخول المفقودة في فترة تفشي الفيروس. اوروبا ایضا قامت بطبع 500 مليار يورو لتمويل تعافيها اقتصادها من تداعيات الفيروس. هذه هي خطة الدول الغربية لتخطي الأزمة؛ ضخ المزید من الأموال لدعم الاقتصاد والمواطنين المتضررين من الأزمة دون أي انتاج إلی جانب الحصول علی المعونات والسلع الأساسية من الخارج. إن هذه الديون التي عرضت مؤشرات البورصة في الدول الغربية للهبوط، یمکنها ان تتحول(مستقبلا) إلی أزمات اقتصادية کبيرة ومستمرة.

في مقابل الرکود الاقتصادي الغربي، المؤشرات تدل علی ان المعادلات الاقتصادية في المرحلة القدمة سیکون لصالح الاقتصاد الصيني، واقتصاد النمور الآسيوية الأربعة(تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية) وکذلك لصالح اقتصاد باقي دول شرق اسیا کهونغ کونغ وماليزيا واندونيسيا.

لقد جاوز احتياطي الصين من العملات الصعبة تريليون دولار مع بداية هذا العام، متجاوزة بذلك اليابان التي بلغ حجم احتياطيها 800 مليار دولار، ما جعل بكين تحتل المركز الأول بين دول العالم في هذا المجال. وفي ظل انهيار مؤشرات البورصات العالمية، اقدمت کل من الصين والیابان علی شراء أسهم کبری الشرکات الغربية ما عزز من مکانة هذه الدول في السوق والاقتصاد العالمي، وبطبيعة الحال سیمکنها ذلك من التحکم بسهولة بالأسواق العالمية.

إن تأکید السلطات الصينية علی السیطرة علی الفيروس وعودة العمل والانتاج في البلاد، إلی جانب التوقعات التي تحدثت عن تحسن أداء النشاط الاقتصادي في الصين واحتمالية تحقيق نمو بنسبة 6 بالمئة في الأشهر القادمة من العالم الحالي؛ ساهم في تحويل الصين إلی منافس قوي للحصول علی المركز الأول كصاحبة أقوى اقتصاد في العالم.

إن السیاسة التي اتبعتها الصين خلال أزمة کورونا کشفت العدید من الحقائق. لقد ارسلت حکومة بيکين حزمة مساعدات إلى 89 دولة بالإضافة إلی ارسالها الخبراء والأطباء إلى أکثر من 30 دولة لمساعدتها في احتواء فيروس كورونا. في المقابل  وقفت أمريكا، عاجزة فعلا على صد كورونا، فتتزايد حدة أزمة كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية منعها من تقديم أي مساعدات لحلفائها من الدول الغربية والاقليمية.

لقد اعلن صندوق النقد الدولي مؤخرا ان حصة اليوان الصيني من احتياطيات النقد العالمية ارتفعت إلى أعلى مستوياتها. ثم اعلن الصندوق تمسكه بتقييمه بأن قيمة اليوان الصيني متماشية إلى حد كبير مع الأسس الاقتصادية. إن هذا الاعلان یعد مؤشرا یحمل في طیاته دلالات کبیرة، خاصة وان الاعلان کان بمثابة تحول العملة الصينية إلی عملة رئیسية في المبادلات التجارية العالمية. ثم إن هذا الاعلان من قبل أعلی منظمة اقتصادية دولية هو دلالة کبری علی ان التطورات الاقتصادية الحالية تسیر لصالح الصين، وبشکل عام ان الاقتصاد یتعافی في مرحلة ما بعد کورونا لصالح دول شرق اسیا.

 

الأبعاد الاجتماعية

لاشك أن الفيروس أثر بشکل کبیر علی سلوکيات الأفراد(في کافي المجتمعات) وممارساتهم للطقوس والتقاليد الاجتماعية. إن اعتماد الدول والحكومات لسیاسة التباعد الاجتماعي أثر بشکل کبیر علی الحیاة اليومية للأفراد حیث تحولت اللقاءات والمشارکة الاجتماعية من العالم الحقيقي إلی العالم الافتراضي. الاجراءات الاحترازية المتخذة من قبل الحکومات کمنع السفر والرحلات الداخلية والخارجية الزمت الأفراد علی البقاء في المنازل، ما أثر بشکل کبیر علی سلوکیات الأفراد ونفسیاتهم.

ان هذا التغيير في نمط الحياة أدی إلی اختفاء الاختلاف الطبقي(الظاهري) في المجتمعات فبعد ما کان السفر یختص بالطقات الغنية دون الطبقات الفقيرة، اصبحت کلا الطبقتين في البیوت خوفا من الفيروس والتزاما بالتعلیمات الصادرة عن الجهات المتخصصة بغیة الحفاظ على صحة الجمیع.

إن ما فرضه الفيروس من إجراءات ساهم في جمع أفراد الأسرة من جديد، وعلیه یری العدید من الخبراء بأن الأسرة استعادت مکانتها وأءصبحت مجددا الرکيزة التي توفر استقراراً لأفرادها، كما توفر الدعم المادي والمعنوي والعاطفي لجميع أفرادها، فهي درعهم الحصين. إن التماسك الأسري والانهیار الأسري کلاهما من نتائج اعتماد سیاسة التباعد الاجتماعي. ویری علماء النفس ان هذه السیاسة ستؤثر سلبا علی غالبية الأفراد، لکن إلی جانب هذا سوف تساهم في عملية التعاضد والتضامن الاجتماعي. إن الدول التي تسودها ثقافة التعاضد والتضامن الاجتماعي سوف تتخطی الأزمة بسهولة لکن الدول الرأسمالية وتسود في مجتمعاتها القيم الفردية والنفعية والأنانية والنزعة المادية؛ سوف تشهد ظروف اجتماعية قاسية وصعبة.

الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعا إلى وقف “فوري” للصراعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، والعمل على إنشاء ممرات للمساعدات المنقذة للحياة، لمواجهة فيروس كورونا. لکن مناشدة غوتيرش لم تلق آذان صاغية من قبل الحکومات المعتدية. السعودية التي تشن حربا ضد اليمن منذ خمس سنوات، رفضت وقف هجماتها ضد هذا البلد دون تحدید شروط. من جهتها رفضت الولایات المتحدة الأميرکية الغاء الحظر الجائر الذي فرضته ضد ایران، حیث اعلنت إدارة ترامب بأنها مستمرة في عدوانها ضد طهران.

قادة بلدان عديدة مثل تركيا وروسيا وباكستان والصين وروسيا ودول الاتحاد الاوروبي طالبوا اميركا، خلال الشهر الاخير، بإلغاء حظرها على ايران، وکذلك تحرير الأموال الإيرانية المجمدة لاستخدامها في مواجهة فيروس کورونا، لکن الإدارة الأمريکية لم تستجب لتلك المطالب، ليتبين للجمیع بأن السیاسات الاميرکرية الجارئة وکذلك سیاسات الدول الاقليمية الحليفة لواشنطن في عزلة دولية واقليمية.

 

الأبعاد السیاسية

لاشك ان النظام السياسي العالمي بعد کورونا سیشهد تغییرات. یری العديد من الخبراء والمتخصصين في الشؤون الدولية انه منذ انهيار النظام الثنائي القطبية وتحول النظام الدولي إلى نظام أحادي القطبية في نهاية الثمانيات، تزعمت الولایات المتحدة الأميرکية النظام السیاسي العالمي وظلت تتحکم بقواعده. ویری عدد آخر أن النظام الدولي هو نظام احادي من الأساس وان اميرکا هي من تهيمن علیه. إلی جانب هذا الخلاف، ثم اجماع بين الخبراء والمتخصيين علی ان مفاهيم القوة تغیرت منذ تسعینات القرن الماضي، حیث تغیرت موازین القوی بعد ان حلت القوة الاقتصادية مکان القوة العسکرية. إن حرکة الصين في العقدين الأخیرین نحو صدارة الدول العظمی اقتصادیا أحدث تطورا کبیرا في النظام الدولي. لم تکتف الصين بالعمل علی تعزیز قدراتها الاقتصادية فحسب، بل عملت علی تطویر قدراتها العسرکية حیث ضمت العدید من حاملات الطائرات إلى أسطولها، إلی جانب امتلاکها قوات جوية متقدمة. هکذا أثبتت بيکين بأن غايتها النهائية هي التربع على رأس الهرم العالمي في کافة المجالات.

الرئيس الأميرکي، دونالد ترامب، وعلی الرغم من محاولاته المکثفة لحرف الأنظار عن الصين وتطورها الاقتصادي، قام بعدة خطوات کفرض العقوبات علی المنتجات الصينية، بهدف مواجهة التقدم الصين. انه أراد مواجهة التقدم الصيني في مجال تقنية 5 جي قام عبر فرض عقوبات علی شركة هواوي الصينية وشرکات صينية أخری. کل هذه الخطوات جاءت بهدف مواجهة التفوق الصيني الذي ظهر على نطاق أكثر شمولاً وتقدماً على الشركات الغربية المعروفة.

من جهة ثانية، منح ظهور فيروس کورونا الصين الفرصة لتوظيف تطورها العلمي والتقني لمواجهة الفيروس، وبذلك قدمت بکين للعالم نموذجا جدیدا ناجحا في مجال الخدمات الصحية. إن سیاسة احتواء الأزمة التي اتبعتها الصين خلال أیام تفشي فيروس کورونا في البلاد، أثبتت بأن کافة جهود اميرکا الرامية لمواجهة التقدم الصيني لم تکن مجدية، لأن الصين تمکنت ومن خلال استخدام تقنیاتها الجدیدة کالروبوتات والطائرات المسیرة والسیارات الذکية ان تتخطی الأزمة بنجاح. في المقابل ظلت الدول الغربية في کافة القارة العجوز عاجزة عن مواجهة الفيروس ومنع تفشيه. فالفيروس أثبت بأن الدول الأوروبية ورغم کل الاعداءات والمزاعم، غیر قادرة علی احتواء الأزمات أو اتخاذ الاجراءات المناسبة لمعالجتها. إن الصين قامت بتقديم الدعم للدول الأوروبية في مجال مواجهة الفيروس ما أثر علی توجهات زعماء هذه الدول. بطبيعة الحال سوف یؤثر الدعم الصيني مستقبلا علی التحلفات السياسية.

 

ویری مراقبون ان الصراع الرئيسي للسیطرة علی النظام الدولي في المستقبل سیکون بين الولایات المتحدة الأميرکية والصين، أما المواجهة بين القوی الأخری کالدول الأوروبية وروسيا فتقع في الدائرة الثانية من الصراع والمواجهة. ویؤکد هؤلاء ان استمرار هذه الحالة في المستقبل سوف یعید العالم للنظام الثنائي القطبية المغلق؛ اي النظام الذي عاشه العالم في الخمسینیات حتی التسعینات من القرن الماضي. إن هذه الحالة ستساهم في حدوث انفراجة علی الساحة الدولية لأن ذلك سوف یکسر الهيمنة الغربية.

الأبعاد الفکرية

بعد الثورة الصناعية في اوروبا في القرن التاسع عشر، هيمن الفکر المادي علی المجتمعات الغربية بصورة ابعدت الناس هناك عن کل ماهو معنوي وذات علاقة بالدين. ونتيجة لهذا التطور في المفاهيم، انتهجت الأنظمة الغربية سیاسة عزل الدين عن السیاسة ما أدی إلی تراجع دور الکنیسة والديانة المسيحية، حیث اصبح الدين امرا شخصیا لیس له محل من الاعراب في الممارسة الاجتماعية. إن سیاسة ازدراء الدين وتجاهله استمرت إلی ان اعتبر الدین افيونة الشعوب، حیث تم التأکید علی ان التمسك بالدين یخلف نتائج سلبية تضر بالمجتمعات. 

مع الأسف الشدید، کان لهذه المفاهيم المادية الغربية صداها في الشرق، فبالرغم من ان الشرق کان مهدا للدیانات السماوية، شهد ارتفاع اصوات طالبت بعزل الدين عن السیاسية والتمسك بالقيم والمبادئ السائدة في الغرب وهي مبادئ قائمة علی ازدراء الدين. ونتيجة لذلك ظهرت حکومات وانظمة شرقية سایرت الغرب في سیاسة عزل الدين عن السیاسية، کما بنت سیاستها وفقا للقيم والمبادئ المادية الغربية. بعد ذلك أخذ الفکر المادي یعم وینتشر في الشرق إلی ان حدثت ثورة کبری شکلت تحدیا کبیرا وجدیا للفکر الوافد من الغرب. إن انتصار الثورة الإسلامية في إیران عام 1979، أثبت بأن الدين لیس أمرا ثابتا بل هو ظاهرة اجتماعية متجددة، کما اثبت بأن الدين لیس افيون للشعوب بل هو أعظم أداة للحرکية السیاسية والاجتماعية، فهذا الدين هو الذي خلق أعظم ثورة شهدها القرن العشرین. إن انتصار الثورة الإسلامية بزعامة الإمام الخميني(رض)؛ جاء بنموذج اسلامي حي وعصري یطالب بالاستقلال والحرية، بالإضافة إلی امتلاکه القدرة علی تلبية احتیجات المجتمعات والأحرار في کافة بقاع العالم.

إن هذه الثورة التي وصفها الأعداء بالزلزال السیاسي والاجتماعي؛ أفشلت کافة المخططات والمؤامرات العدوانية الغربية لأنها عملت علی اثبات بطلان الفرضیات والادعاءات التي کان یطلقها زعماء الأنظمة الغربية. وبعد ان أخذت افکار الثورة الإسلامية بالانتشار والتوسع في المنطقة، فکرت القوی الغربیة بحياکة المؤامرات والحیل للنیل من الثورة الإسلامية ومنعها من التحول إلی نموذج تحرري یحتذی به. وعلیه بدأوا بالعمل علی عزل ایران عبر حياکة انواع المؤامرات ضدها إضافة إلی فرض انواع العقوبات الظالمة بهدف ارکاعها وثنیها عن مواصلة طریق الاستقلال والتحرر.

إن ایران وبالرغم من کافة الضغوط والحروب والمؤامرات التي حيکت ضدها؛ استطاعت ان تحقق نجاحات کبیرة في کافة المجالات خاصة المجالات النووية والصناعات العسکرية والخلايا الجذعية وتقنية النانو، وهي مستمرة الیوم في تحقيق المزید من الانجازات. والأهم من کل ذلك، تمکنت إیران من الحفاظ علی نظامها الإسلامي الذي أقامته منذ أکثر من اربعة عقود؛ هذا النظام الذي تحول إلی أکثر الأنظمة السیاسية استقلالية، بعدما استطاع ان یثبت بطلان کافة الاعداءات الزائفة التي تطلق من قبل قوی الهيمنة والاستعمار، کما استطاع ان یوجه رسالة هامة للعالم مفادها انه عبر التمسك بالقيم الدينية یمکن تحقيق الاستقلال والحرية والتقدم إلی جانب تلبية الاحتیاجات المادية والمعنوية لأفراد المجتمع.

إن ظهور فيروس کورونا وتفشيه في البلدان الغربية، شکل تحديا جديا للمفاهيم المادية الغربية، کما کشف عن وجود حاجات ورغبات روحية مکبوتة في المجتمعات الغربية التي تحکمها المفاهيم المادية. إن ظهور هذا الفيروس أثبت ایضا عجز وعدم فاعلية الأنظمة الغربية التي ابتعدت عن الدين نتيجة لتمسهکا بالمفاهيم المادية، ونتيجة لعجز الحکومات والأنظمة عن مواجهة فيروس صغیر حقير لا یری بالعين المجردة، عاد الناس في تلك المجتمعات إلی الفطرة التي جبل الإنسان علیها. خلال فترة تفشي الفيروس في الدول الغربية، ظهرت مشاهد عظيمة تستوقف الإنسان. إن قیام رجال الدين في الفاتیکان وایضا مدينة نیویورک الأميرکية بالدعاء والاستغفار، وتنظيم تجمعات شعبية للاستغفار عن الذنوب، وسماح الحکومات الغربية بممارسة الطقوس الدينية  کرفع الأذان عبر مكبرات الصوت في الدول الاروبية واميرکا کلها تطورات ودلالات جدیدة تثبت نفور الشعوب الغربية من الظلم، بالإضافة إلی أنها کشفت عن حاجة الإنسان الغربي إلی تعمیق العلاقة بالدين وخالق الکون.

إن هذه التطورات الاجتماعية وان کانت انطلاقة وبداية لعملية شاملة سوف تستغرق فترة زمنية طويلة، إلا انها تکشف حقيقة مهمة وهي ان الإنسان اختار طریقه بکل صراحة ووضوح لیصرخ عالیا انه بحاجة إلی المعنوية والعدالة الاجتماعية.

 

حسین رویوران

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.